الرئيسية » حديث الجمعة: مسؤولية الحكومة في حكم بنزرت المخالف للدين وللقانون

حديث الجمعة: مسؤولية الحكومة في حكم بنزرت المخالف للدين وللقانون

بقلم فرحات عثمان

 

إن الحكم الأخير الصادر ببنزرت، القاضي بسجن أربعة شبان من أجل الإفطار علنا في رمضان، مخل بالقانون وبالدين؛ ومسؤولية هذا الإخلال لا تقع فقط على عاتق القضاء، بل أساسا على الحكومة ورئاسة الجمهورية.


الإفطار العلني من حقوق المسلم، ولا علاقة للأخلاق الحميدة بهذا الحق المشروع قانونا ودينا؛ إنما منع مثل هذا الحق هو الذي يخل بالأخلاق الحميدة التي أساسها غض النظر وإعطاء المثل في الحلم. فالحكم الصادر ببنزرت مما يندى له جبين كل الساسة بتونس، إذ أن مسؤوليته لا تقع على القضاء وحده.

فالقاضي لا يصدر حكمه إلا حسب النصوص القانونية التي تربط اجتهاده، وقد أوّل وأخطأ في قضية الحال دون أدنى شك؛ إنما كان ذلك لإحالة الموضوع على أنظاره. فلو أن النيابة العمومية لم تحل الشبان على المحاكمة لما كان هذا الحكم المخزي؛ ثم لو أن الشرطة لم تقم بإيقاف الشبان وإحالتهم على النيابة العمومية لما كانت أصلا هذه القضية التي ضررها فاحش لتونس في تقمّص دولة القانون.

حقيقة، كل المسؤولية هي للدولة: الحكومة، أولا وقبل كل شيء، لا في شخص وزيري العدل والداخلية فقط، بل ورئيسها؛ ورئيس الجمهورية لصفته كأعلى مسؤول عن الأخلاقيات السياسية بالبلاد.

مسؤولية وزير العدل
من واجب وزير العدل تنقيح كل ما أكل عليه الدهر وشرب من قوانين أبطلها الدستور؛ وهذا لم يتم إلى اليوم. لعل لذلك بعض الأسباب المبررة للتأخير؛ لكن لماذا لم يأخذ وزير العدل قرار إيقاف تنفيذ الأحكام التي أصبحت باطلة بمقتضى الدستور؟ لماذا لم يأمر النيابة العمومية بالامتناع عن إحالة الموقوفين في قضايا لم تعد من المخالفات أو الجنح والجرائم كقضية بنزرت؟
وزير العدل هو المسؤول الأول اليوم على مثل هذا الحكم الجائر في حق أبرياء ليس ذنبهم إلا تعاطي حرية ضمنها لهم دينهم ودستور بلادهم؛ فإلى متى يترك وزير العدل الحبل على الغارب لمثل هذه الانتهاكات؟

مسؤولية وزير الداخلية
لا شك أن مسؤولية وزير الداخلية سابقة زمنيا لمسؤولية زميله في العدل، لأن الإيقاف من مشمولات الشرط، وهي تحت إمرة هذا الوزير. فهلا أعطى تعليماته حتى تكف قوات الأمن عن التعرض لحريات الناس؟
نعم، تدخلت الشرطة في قضية الحال بعد شكوى صادرة عن بعض المواطنين؛ لكن هل هي تتدخل ضرورة لأي شكوى صادرة عن المواطنين وإن كانت مجحفة؟ أين صفة حفظ الأمن عندها إذا كان في ذلك التشجيع لمن يتعرض لحرية غيره ويرفضها؟ أليس هذا من الجور الذي من مسؤولية الشرطة ردعه قبل غيره إذا كانت شرطتنا حقا جمهورية؟

مسؤولية رئيسي الجمهورية والحكومة
إن المسؤولية الأولى والأخيرة تخص رئيس الحكومة بما أن وزراء الحكومة تحت نظره، كما تخص رئيس الجمهوية لمسؤولياته العليا في حفظ الأمن بالبلاد؛ فهلا سارعا بإعطاء تعليماتهما حتى لا تتكرر الزلات، كما حدث في بنزرت؟

فتونس في حربٍ ضد الفساد والإرهاب؛ ولا بد من مقاومة تجلياتهما في جميع الميادين، خاصة الأذهان. ولا يكون هذا إلا بإبطال النصوص المخلة بالحقوق والحريات. بدون ذلك، لا نجاح لحملة الأيدي النظيفة الحالية، إذ الأذهان اليوم متّسخة بما في اللاوعيٍ الجماعي من إرهابٍ تغذّيه قوانين مجحفة نافية لحقوق الناس وحرياتهم، فاحشة في فهمها المغلوط للدين وللأخلاق وخرقها للدستور.

 

*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.