الرئيسية » حديث الجمعة: الشك الديني والسياسي في رمضان هذه السنة

حديث الجمعة: الشك الديني والسياسي في رمضان هذه السنة

بقلم: فرحات عثمان

 

لا يخص الشك هذا اليوم شهر رمضان فقط، بل يتجاوزه إلى السؤال عن مدى إمكانية نجاح الحكومة في حملتها ضد الفساد التي أعلنتها مع بداية رمضان.

سبب يوم الشك الذي نعاني منه كل سنة هو محافظتنا على عادة سيئة دربنا عليها وهي من باب الفهم المغلوط للإسلام رغم التقدم العلمي الحاصل في ميلاد هلال رمضان؛ فالرؤيا بالعين المجردة وما يتبعها من الشك سياسة نافقة عند من يتاجر بالدين.

ولعل ما يتبادر للذهن، بعد العملية الأخيرة المتمثلة في إعلان الحرب على رموز الفساد بالبلاد، هي إمكانية أن يكون للشك أيضا هذه السنة تجليات سياسية تتمثل في ألا تكون هذه الحرب المنتظرة نزيهة تماما مع عزمٍ صادقٍ وقدرةٍ حقيقيةٍ على تنظيف البلاد من الشر المستشري بها. هل هي كذلك؟ وكيف لها ألا تكون كذلك نفاقا سياسيا مثل النفاق الديني الذي لا زلنا نعاني منه في فهم الإسلام؟

الشك الديني
من الظلم لدين الإسلام مواصلة العمل بالرؤيا كما لو لم تكن للوسائل العلمية إمكانية التحديد الثابت لوقت اقتران الشمس والقمر، أي القمر الجديد أو ميلاد الهلال. فإلى متى نواصل عجرفتنا باسم الدين، بينما هو براء من مثل هذا التأخر الذهني؟

إن الإسلام دين علمي عالمي، لم يفتأ يحرّض على الأخذ بالفتوحات في ميداني العلم والعقل كمصدر هام لفهم مقاصد شريعته. والعلم اليوم يحدد موعد نشأة الهلال بالدقيقة والثانية؛ فقد تم الاقتران بين الشمس والقمر يوم الخميس على الساعة السابعة مساء وست وأربعين دقيقة بتوقيت غرينويش. فلم التشكيك في العلم والإضرار بدين تنويري جعلناه ظلاميا بتعنتنا؟
إن الشك في بدايةٍ ثابتةٍ علميا لرمضان وبقية المواسم الإسلامية لهو من نوع الشك السياسي الذي يُوصل بالمؤمن النزيه إلى حد الشك في دينه. هل هذا ما نبتغيه؟

الشك السياسي
يتزامن رمضان هذه السنة مع الحملة التي بدأتها الحكومة على الفساد بالإطاحة ببعض رؤوسه. إنه توقيت هام لرمزيته، إذ يعطي لرمضان الصبغة التي فقدها، أي التقوى الصحيحة، وهي في نظافة اليد وسلامة القلب والضمير. إلا أن تزامن هذه الحملة مع الأحداث الخطيرة في جنوب البلاد يجعل الشك قائما: هل هي حملة ستستمر إلى النجاح التام؟ وهل لها ما يجب من الوسائل الفاعلة لعدم الفشل؟

إذا ابتغت الحكومة حقا رفع مثل هذه الشك والنجاح في حملة نظافة الأيدي التي شنّتها، لا بد أن يتوفّر لها ما من شأنه منع تحرّك كل من يسعى لتعطيلها. فالدولة بمفردها لم تعد قادرة على فرض احترام القانون، لانعدام منظومة دولة القانون بالبلاد، إضافة إلى واقع هذا القانون الذي هو في العديد من فصوله غير عادل.
إن قوى الظلام في التهريب والفساد، مثل القوى الظلامية الإرهابية الدينية، لها من يحميها وينافح عنها ممن قوته تتجاوز قوة السلط التونسية. لذا، من المتحتم تواجد تونس داخل منظومة قانونية فاعلة تحميها وتقوّي إرادتها لفرضها على من يعاديها. هذا لا يتم اليوم إلا بانضمام تونس للاتحاد الأوربي، نظرا للتداعيات الإيجابية التي يحققها هذا الانضمام، أولها المرور بالتبعية الحالية بدون حقوق إلى تبعية كلها حقوق ومسؤولية. بدون هذا، مآل الحملة الحالية الفشل للأسف.

فهل يرفع رئيس الحكومة الشك في قدرته على إنجاح العملية التي بدأها مع بداية رمضان؟ وكيف له ذلك دون طلب الانضمام للاتحاد الأوربي حمايةً لحملته من أعدائها، ومنها العادات السيئة، كالرؤيا بالعين رغم مضرتها الثابتة؟

 

*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.