الرئيسية » هشاشة الدولة من ضعف حكمها المركزي

هشاشة الدولة من ضعف حكمها المركزي

بقلم: وجدي مساعد

قد يرى البعض في ما أضحت تعيشه بلادنا منذ 14 جانفي 2011 من اضطرابات ومن أعمال العنف و التخريب التي طالت مصادر الإنتاج و عطلت سير الحياة العادي و أغرقت المنظومة الاقتصادية في أتون التداين المتفاقم باستمرار.

إن كل من يتأمل في هذا الوضع المحزن و المخيف لا يمكنه إلا أن يتحسر على واقع وطن كان -على الرغم من صغر حجمه الجغرافي – ذا صيت و إشعاع كبيرين في فضائه الجهوي و الإقليمي و حتى الدولي.

و مما يزيد في تعميق هذا الشعور بالألم و الحسرة ما تضمنه الترقيم العالمي المتعلق بهشاشة الدولة لسنة 2017 و الذي وضع دولة تونس في المرتبة 89 من مجموع 178 دولة شملها هذا التقييم السنوي الذي يقاس به مؤشر هشاشة الدول و الذي ربحت فيه تونس نقطة واحدة بالمقارنة مع سنة 2016 حيث كانت تحتل المرتبة 88 و لكنها تدحرجت ب 19 نقطة عما كانت عليه سنة 2011.وهو أمر يبعث على القلق و الحيرة سيما و أن هذا التقريريضع بلادنا في مجموعة الدول المعرضة لإنذار عالي الدرجة اعتبارا لما تتصف به الدولة التونسية من هشاشة هي بمثابة الفرصة السانحة التي يترصدها الفاعلون غير المحسوبين على الدولة أو تستغلها تلك المجموعات المسلحة التي تسعى إلى توظيف الأوضاع المتردية لفرض سيطرتها على البلاد.

وهي الحالة التي أصبحت طاغية في بلادنا و لاسيما في الفترات الأخيرة التي بلغ فيها الانفلات اشده و برز خلالها ضعف الدولة بشكل ينذر بتداعيها و انهيارها، بحيث تطاول المحتجون في عديد المناطق من تراب الجمهورية على المنشآت العمومية فارضين سيطرتهم عليها و توقيف نشاطاتها بدعوى تخصيص نصيب من عائداتها للجهة التي هي منتصبة فيها. و حتى عندما تحولت هذه الاحتجاجات ، التي وصفت بالسلمية في مطلع الامر، إلى أعمال الحرق و النهب و التخريب لم تقدر الدولة – بما لها من آليات و عتاد يؤهلها للقيام بالدور الموكول لها وفق ما ينص عليه دستور البلاد – لم تقدر على إيقاف التيار و التصدي للمحظورالذي بلغ حد الموت لأحد المشاركين في الاحتجاجات.

و يعرف التقرير الدولة الهشة بأنها الدولة ذات الحكم المركزي الضعيف و الفاقد للجدوى و النجاعة، الحكم الذي نهشه الفساد بحيث أصبح غير قادر على ضمان الخدمات العمومية الأساسية مثل الأمن و الدراسة و الصحة و غير قادر كذلك على التصدي لاستفحال الاقتصاد الموازي الذي قد لايجد مبررا شرعيا لتواجده و انتشاره.
و على الرغم من أن التقرير المذكور يشير إلى أن دولة تونس تبدو في فضائها المغاربي الأقل هشاشة نظرا بالأساس إلى الضغط الديمغرافي الضعيف و إلى عدم التوازن التنموي الأقل حدة و إلى الدرجة المقبولة في احترام حقوق الانسان ، فإن المواطن التونسي أصبح علي ريبة كبيرة مما وصل إليه الوضع في البلاد من انفلات و عدم الانضباط للقانون ومن محسوبية و رشوة افترشت الطريق و أضحت على مرآى و مسمع من الجميع.

ولئن بدأت تلوح في الأفق بعض التباشير الردعية لمقاومة بعض أوجه الفساد فإن تقهقر الطبقة الوسطى التي كانت تشد المجتمع في توازنه حتى النسبي و انحدار المقدرة الشرائية للمواطن الغلبان والتراجع غير المسبوق للعملة الوطنية أمام مثيلاتها الأجنبية ، كلها عوامل تبعث على الخوف و الريبة و عدم الاطمئنان و تلغي لدى المواطن رصيد الثقة في دولته التي يلاحظ يوما بعد يوم تفككها و انحدارها و غياب القدرة لديها على المسك بزمام الأمور و السير بالبلاد على درب التنمية و التقدم. و الحال أن بعض أعضاء حكومة الوحدة الوطنية يشيرون بالبنان إلى مواطن الخراب التي تبقى للأسف محمية تنعم بالحرية و الغطاء و في مأمن من كل مكاشفة وتتبع و محاسبة.

و قد يجد البعض تفسيرا لهذه الأوضاع في طبيعة نظام الحكم الذي اخترناه و الذي غيب سلطة القرار التي تتقاذفها ثلاثة رؤوس دون أن يقدر أي رأس منها على رسم الطريق الذي فيه نسير بفعل التجاذبات السياسية التي لم تقدر إلى حد الآن أن تقدم مصلحة الوطن على مصلحة الاحزاب و على المصالح الضيقة للأفراد و المجموعات.

ألم يحن الوقت لوقفة التأمل اللازمة و للقيام بالمراجعات الضرورية قصد إنقاذ البلاد وإبعاد شبح الإفلاس و الضياع عنها. هو ما نتمناه حتى نتدارك الأمر قبل فوات الأوان وحتى لانترك وطننا الذي ضحى من أجل استقلاله و مناعته آباؤنا و أجدادنا ووضعوه أمانة بين أيدينا، حتى لانترك هذا الوطن إذن لقمة سائغة في فم قوى أجنبية هدفها تخريبه و تقويض أركان بنائه و تجسيم غيض دفين أذكاه فيها تبرؤها من النمط العصري و الحداثي الذي عاشت عليه منذ استقلالها.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.