الرئيسية » المجلس التأسيسي : “إنّها لكذبة …كادت تنطلي علينا جميعا”

المجلس التأسيسي : “إنّها لكذبة …كادت تنطلي علينا جميعا”

بقلم: الشاذلي خليل

 

لقد جادت إنتخابات ” ما يسمى بالمجلس التأسيسي” بخيراتها في خضم فوضى تزامنت مع إندلاع الثورة بهذه الربوع المباركة، ربوع الخير و البركة، ربوع رجال الصلاح و الفلاح و التّقاء و الورع و الأقطاب، ربوع الدين الاسلامي المالكي السنّي الأشعري، ربوع العقيدة و المتسامحة، بلد الأمن و الأمان و الإستقرار و الحداثة و المعاصرة.

لكنّه و بمجرد الإعلان على نتائج تلك الإنتخابات المفصلية إنقلب السحر على الساحر، و كشّر الجمع على أنيابه و إنكشفت حقيقتهم ونواياهم الدّفينة و المتسترة و الخفية و المتخفية و أظهروا خلاف ما كانوا يظهرونه بل ما كان يبطنونه و لرده لا بأس به من الزمن.

و إنّه للقصّة و الرّواية مسارها و نصّها و سيناريوهاتها و ملابساتها و مغامراتها و مفاجئاتها، قصة ليست ككلّ القصص و الروايات و الأحجيات و الخرافات، قصة عجيبة و مخطرة في الآن ذاته، بل هي قصّة تنظيم ترعرع في الخيانات و الدّسائس و المكر و المداهنة و الكذب و تلفيق الحقائق و تلبيس لحقّ بالباطل و الدّهاء، بكلّ تلك الكلمات من معاني و مدلولات، كان ذلك حقا و حقيقة وواقعا وفعلا ديدنه منذ نعومة أظفاره،

و ترعرعت فيه تلك المساوي مع شبابه و كهولته إلى شيخوخته الحالية، شيخوخة قد بدت علاماتها على محيّاه، وقد تؤدي به حتمات للخروج و الانصراف نهائيا و حتما من الباب الخلفي بل إلى الاندثار و التّلاشي، و إكتنافه طي النسيان و إلقائه في مزبلة التاريخ إلى غير رجعة.

و إنّه للقصة وللرواية و الحكاية و الخرافة و الأحجية بداية و حياة و عمر و نهاية، ولذلك فقد إتخذت الجماعة من شكل الجمعية تنظيما لها، و لزيادة التخفي و التستّر و إخفاء النّوايا الحقيقية نشاطا تمثل في ظاهره في تحفيظ القرآن الكريم لعامة الشّعب، لإعتقادها بأنّ النظام الحاكم من حدا به عن عقيدته الحقيقية و الأصلية.

ولذلك فقد إنتصبت لإعادة الإعتبار لعقيدته و معتقده و إيمانه، بتحفيظه القرآن الكريم أولا ثم لتعاليم الشّريعة الإسلامية، كيفما يتراءى لها، و تلك بداية وجدت لها القبول و المتقبل لدى أوساط العامة و شرائح واسعة
و لا يستهان بها في تلك الأوساط العامة، المحدودة و الحق يقال للمستوى التعليميو العلمي و المعرفي، و إنتشرت و توسّعت قطرة الزّيت لردهة من الزمن، و مع تمكّن الجماعة من أمر هذا الشّعب، سرعان ما راودتها نيّة إكتساح الطبقات النيّرة و المتعلمة كالمثقفين و الطلبة، و هكذا دخلت في مرحلة الإستقطاب و التّبني و الإحتواء ، ومع ما شهدته شعبيتها من تنامي، إختلف و تنوع الخطاب المعتمد في البرامج و المناهج، ليصبح ماسا بالسّياسة و الحياة العامة، بداية بالانتقاد و التذمّر من الوضع إلى النّقمة و إرادة المواجهة و الصراع و المصارعة بعد التأكد من القوة و القدرة و الإستقواء، وبذلك تأسّست ما يعرف بالحركة مع المحافظة على التخفي و الإنطواء على غرار “إخوان الصفاء و خلان الوفاء”، و تلك الاشكال من التنظيمات الدينية التي إكتسحت في وقت ما تاريخ الأمة الإسلامية، على مدّ و إمتداد تاريخها الفكري و الحضاري، و التي كانت والحق يقال السبب المباشر فيما شهدته الأمة الإسلامية من صراعات و تناحرت و أزمات إلى حدّ الإقتتال و الصراعات المتعددة على الحكم و السلطة و الملك و الكرسي و لنقلها صراحة، على الخلافة و التحكم في الرقاب و العباد، و بالتالي في الممتلكات و الثّروات و المكاسب، وتلك غاية و غايات تندرج في حقيقتها وواقعها في إطار و نطاق ما يسمى عند تلك الجماعة و الجماعات المماثلة و المتماثلة ” بالغنيمة” و أي غنيمة، إفتكاك و الإستيلاء على الأموال و الأرزاق، تحت غطاء الشّرعية و الشّريعة و الولاء و الطاعة لأولي الأمر منكم”
و أي ” أولي الامر “، هم مجموعة من المغامرين و قطاع الطرق لا يمتون للدّين و الاسلام بأية صلة تذكر ، بعد تحليل تاريخ مسيرتها، و إنهمّ لكمشة من الخونة باعوا ضمائرهم مباديهم إلى الأجانب على إختلاف جنسياتهم أمريكية و فرنسية و بريطانية و ألمانية و صهيونية، و مع عدم إيماننا بالقطريين و الأتراك، لكونهم يشكلون أذنابا لهؤلاء الأسياد، الذين ناصبوا العداء للإسلام و للمسلمين، و الحاملين لرايات الصليبية المدمرة للعرب و الإسلامين و التاريخ شاهد على نوعية تلك المعادة و تلك النفسية الإنتقامية.

و إنها لتلك حقيقة لا نستطيع تكذيبها أو دحضها فالوثائق و الأخبار لتنهض كلّها خير برهان و دليل إثبات على صدقها، إنها جملة من المعلومات و الوثائق و الدلائل بل مجموعة هائلة منها أعدتها أكبر وكالات الإستعلامات العالمية، التي كانت تتابع تحركات مثل هذه الحركات الملتحفة بالدّين لمآرب خاصة و دفينة، المعلنة و الظاهرة و المجهولة و المخفيّة.

هذا و إنه لا يخوّل المجال الحالي لإستعراض تلك المعطيات الإستخباراتية لأكثر من سبب و مسبب، وقد شهد شاهد من أهلها، و نعني بذلك من طرف من كان يؤسّس لتواجد تلك الفرق و الحركات و التّنظيمات بقصد إنجاز و تنفيذ و تحقيق المشروع الإستعماري الكبير للشرق الأوسط الصّهيوني الأمريكي، و إنّها لحقائق لم تعد لتخفى عن أحد أو لذي تبصّر و فصاحة رأي و نظر، و الذي كان ينتظر اللّحظة المواتية و اللحظة الصفر للإجهاز عليها لاحقا بعد إعداد القائمة النّهائية لكلّ عناصرها الظاهرة و الخفية و المتخفيّة إلى حدّ الآن، ليقينه من خطورتها ومضرتها على الحضارة الإنسانية و مقوماتها أصلا و أساسا.

و إنّها لأيام نداولها بين النّاس، تلك التي مرّ بها هذا الشعب الأبيّ و المفدى، و التّي لم ير فيها إلا الويلات وقد اكتوى فعلا بنيرانها و بمآسيها و بأزماتها و بكوارثها، تلك الأيام التي اعتلى فيها هؤلاء المغامرون و المرتزقة سدّة الحكم ببلادنا، بعد إقبالهم عليها كالوحوش الضارية و الكاسرة من بلدان أسيادهم ومن جحورهم و مغاورهم التي اندسوا فيها تحسبا من التتّبعات القضائية التّي طالتهم جراء ما إقترفوه من أفعال إجرامية ببلادهم الآمن و مسقط رأسهم العزيز، الذّي كانوا قد تنكروا إليه و لجمائله و لفضائله عليهم جميعا ودون استثناء.

و إنّه على عكس ما كان يشير إليه المثل العربي المعروف “و ما جزاء الإحسان إلا الإحسان “، فإنّ هؤلاء و لجبلّتهم قد ساموا هذا الشعب و هذه البلاد، بأسوء معاملة و سلوك و جزاء، بمجرد اعتلائهم لسدّة حكمه، على إثر تلك الانتخابات الكارثية، والحق يقال، و التّي مثّلت شرّ نكبة في التّاريخ المعاصر، إنّه حقيقة جراد كاسح و جوعان، قد أتى على الأخضر و اليابس بكلّ ما في الكلمة من معنى بل من معاني وغايات و مدلولات، فأين نحن من المثل القائل : “بلادي و إن جارت عليّ “، ذلك أنّ هؤلاء لا يعترفون بها أصلا، بل أنهم قد أقبلوا عليها بقصد تخريبها، مصداق للمقولة الإلهية ، “و يخربون بيوتهم بأيديهم”، و لهذه الأمثلة و المقولات مدلولاتها العميقة و غاياتها و أهدافها و معانيها الجوهرية، و اللّبيب بالإشارة يفهم…

ذلك أنه و منذ أن اعتلت الجماعة لسدّة الحكم، كوّنت إئتلافا سياسيا من حينها، بعد ترضية أنصارها بالدّاخل و الخارج، المتمثلين في حزبي “التكتل” و “المؤتمر من أجل الجمهورية”، الذّين كانا يضمان خيرة الموالين و المخلصين لها، أولئك الذّين كانوا ينشطون على عديد الاصعدة و الواجهات و الجهات و الجبهات داخليا و خارجيا ، تحت عديد الأقنعة الملونة و المتنوّعة، و أميزها المتّسمة بالخيانات العظمى و الكبرى، و نعني بذلك المتّسمة بالتّخابر مع العدو بل الأعداء، ممن هبّ و دبّ، ولو إن كان ذلك مع الشيطان نفسه، و الدّهر طويل سيثبت ذلك في قادم الأيام، حتى تكشف الفضائح و الأسرار لهذا الشعب المسالم في أصله و أعماقه.
إنها لفضائح و أسرار لم يجد الشّعب بعد بدّا من التأمّل و سبر أغوارها، بما تم أشغاله و انشغاله بترهات لا طائل له من ورائها ، و الله يتولى السّرائرـ و أعلم بالغيب، و بما يبطنه هؤلاء و بما يضمرونه من أحقاد و انتقامات لهذا الشّعب، الذي آواهم و أحسن وفادتهم رغم نواياهم الخبيثة و الهدامة و التخّريبية.

هذا و أنّه لا يمنع ذلك من أن ينكشف جانب من تلك النّوايا من خلال ما أبدته الجماعة ومن لفّ لفّها، من تصرّفات و سلوك و قرارات خلال ممارستها للحكم، و خاصة فيما يتعلّق من مناصبتها العداء لكل التيّارات السيّاسية المناهضة لها و لرؤيتها و توجّهاتها و سياساتها، و أي سياسات …. ؟ لم نرها إلا على الورق ومن خلال الوعود الانتخابية، ليس إلاّ و لا غير، و تلك حقيقة وواقع لا يمكن لأحد إنكارهما أو نفيهما أصلا.
إنّنا لم نر سوى التّفريق بين الأشقاء و الإخوة و التفقير لمختلف الطبقات الشّعبية و النّهب لثرواتها و الإهدار لقدراتها، و التّخريب للدّولة و لمؤسساتها، و التجويع للفئات المحرومة و المهمّشة و التّرحيل للأجيال الشّبابية و العاطلة و منها عن العمل، و التكفير للنّخب المثقفة و الفكرية، و التصحر للعلم و الابتكار و الإبداع و الثقافات، و التجييش للجهاد و الإرهاب و التّهريب و التّجارة الموازية، و التّخزين لشتى أنواع الأسلحة و المعدّات الحربية و القتالية، و التقليل لقدراتنا العسكرية و الأمنية تحت عنوان ” الطّاغوت”، و إنّها لعمرنا لكذبة كبرى تعرّضنا لها و لا نزال إلى حدّ الآن، باعتبار أنّ الجماعة و إن خرجت و غادرت الحكومة إلا أنها لا تزال تمارس الحكم و السّلط عن طريق أذرعتها المتعدّدة و المتنوّعة و المختلفة و المتلوّنة المترامية أطرافها في كلّ حدب وصوب، بلا هوادة و بصورة و بصفة عشوائية حتّى، في إطار أجندتها التّي جلبتها من وراء البحار و المحيطات، و بتدبير من القوى المعادية لوطننا وبلادنا ، و من طرف من لا يريد الخير و النماء لهذا الشّعب المسالم و السّلمي، و هذا سيشكل في حدّ ذاته خطرا دائما و قائما و مستمرا و متواصلا، وقد أمعنا في الإطناب، الشرح و البيان لغاية نرجوها و نقصدها فعلا، مع جزيل المعذرة و الامتنان و الشّكر.

ذلك أنّ المسار الديمقراطي يقضي لإنجاحه و لنجاحه أشخاصا و شروطا و مناخا تتميّز كلّها بخصوصيات متميّزة و خاصة، أشخاص يؤمنون أولا و آخرا بذلك المسار و بأهدافه و بغاياته و مراميه و بفوائده و بنتائجه، وشروط من الواجب استحضارها وتوفيرها و احترامها، و مناخ من الأمن و الأمان و الطمأنينة الكاملة و الشّاملة و المريحة, و لاشيء غير ذلك، و التّي بدونها سوف لن و لا نشهد أصلا ذلك المسار و لا مسيرته حقيقة ووقعا وفعلا فالدّيمقراطية و لئن كانت من الأمور و العوامل الممدوحة و المستحبة عند البعضو المكروهة و المستهجنة و البدعة عن البعض الآخر إلا أنّها تعدّ تجربة و حياة و عقيدة و إيمانا و حلاّ و أسلوبا و آلية تعمل بل تؤسّس خير تأسيس لاستقرار الشّعوب و المجتمعات و الأمّم، الأمر الذّي تعاديه الجماعة ومن لفّ لفّها، ولا يدخل في أجندتها وتوجّهاتها و تعليمات أسيادها لها، وهذا ما إكتشفناه بل ما لمسناه بالمحسوس و الملموس، خلال ممارستها للحكم طيلة ما يسمى ” بالفترة الانتقالية ” جزافا.

فالشّعب التّونسي لم يرى معالم فرحة منذ إندلاع الثّورة في ربوعه، وهو المقبل مؤخرا على الانتخابات القادمة، التي ستشكل في حدّ ذاتها تحديا وامتحانا ومنعرجا مصيريا لحاضره و لمستقبل أجياله، وذلك مع الأسف الشّديد، بفعل تلك الجماعة و أتبعها و أذنابها و عملائها وخونتها و مرتزقتها ومغامريها و قراصنتها و مجرميها، إنّه لفيف وطابور من العملاء وقطاع الطّرق و المخرّبين و السفّاحين، تمعن في إدارته وتوجيهه قوى خفيّة وظاهرة، ما فتئت تتربّص بهذا الشّعب الكريم، بقصد تعطيل نمائه و ازدهاره وتطورّه وتفوّقه، لغايات في نفس يعقوب …، ومن هو يعقوب هذا ؟، ذلك هو بيت القصيد المقصود، من كلّ هذه الدّوامة من الاستفسارات و الأفكار و الاستنتاجات و التحاليل و التأملات، و “الفاهم يفهم”.

و إنّ ما دار ببلادنا ليعدّ استنساخا لما يدور رحاه حاليا بدول ليبيا و العراق وسوريا، و الفرق يتمثل في قدرة المجتمع التونسي على التّماسك و الوحدة و الإتّحاد، وتلك العوامل الأساسية التي حالت دون إنهيار الدّولة
و تجزئة الوطن إلى حدّ هذه الساعة، وحال كذلك دون وصول هؤلاء إلى بلوغ ما كانوا يصبون لتحقيقه فعلا حسب الأجندات التّي أقبلوا بها من وراء البحار و المحيطات، و التي حملوها بجرابهم عند إقبالهم على بلادنا في صورة المنتصرين و الغزات، و إقبالهم “كالبدر علينا”، ولذلك كان إنسحابهم من الحكم مجرّدا و بمثابة الانسحاب الاستراتيجي ومن قبيل “مكرها أخاك لا بطل” في انتظار إعادة الهجمة من جديد، و الحرب سيحال بل سجالات ومعارك بين الكرّ و الفرّ، وليست الحرب في حدّ ذاتها و نهائيا، و ما العبرة في كلّ ذلك إلا بالنّهاية و النتيجة الحاسمة وفي آخر المطاف، الذّي لا يزال بعيد البلوغ و الوصول إليه حدّ الآن، فالإنتظارات كثيرة و متعدّدة و متفاوتة الخطورة و التّوقعات و التّكهنات و التصوّرات و الإنتظارات.

 

*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.