الرئيسية » العدالة الانتقالية ومسالة اعادة قراءة التاريخ

العدالة الانتقالية ومسالة اعادة قراءة التاريخ

 

اردنا بنشر هذه المداخلة ان نطرح من خلالها- وبكل هدوء وبعيدا عن التجاذبات السياسية – بعض المسائل والاشكاليات التي تمس بالعدالة الانتقالية وبهيئة الحقيقة والكرامة اليوم بتونس.

بقلم نورة البورصالي

وذلك خاصة بعد تنظيم جلسة استماع علنية تهتم بالانتهاكات التي جرت في السنوات الاولى لاستقلال البلاد. و لقد اثارت هذه الجلسة جدالا كبيرا حول موضوع هام يهتم بعلاقة الهيئة بقراءة التاريخ.عسى ان يثير هذا العمل المتواضع حوارا رصينا ومعمقا حول التجربة التونسية الفريدة من نوعها في تاريخ بلادنا.

***

ان اشكالية العدالة الانتقالية و مسالة اعادة قراءة او كتابة التاريخ محل جدال بين المعنيين بالعدالة الانتقالية و بين المؤرخين والخبراء المختصين في عدة ميادين. كما طرحت هذه المسالة داخل جل لجان الحقيقة التي عرفها العالم منذ الثلاث العقود الاخيرة. فبإمكاننا خلاصتها في مصطلحين : واجب الذاكرة و واجب التاريخ (Devoir de mémoire et Devoir d’Histoire) .

صمت القانون في ما يخص المسالة التاريخية
طرحت في تونس هذه المسالة – اي علاقة العدالة الانتقالية بإعادة كتابة التاريخ – في اطار الحوار الوطني حول مسار العدالة الانتقالية الذي اطلق خلال ندوة وطنية نظمت في 14-4-2012 في تونس و التي أشرفت عليها وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية انذاك. و كان التحاور حول هذا الموضوع موضع جدال شارك فيه كذلك مختصون في التاريخ و خبراء من جهات مختلفة انتهى بإقناع الجميع بان العدالة الانتقالية ليست من مهامها اعادة كتابة التاريخ بل مهمتها تنحصر في كشف حقيقة الانتهاكات.
لهذا السبب، الزم مشروع القانون المنظم للعدالة الانتقالية والذي قدم من طرف اللجنة الفنية والقانون المنقح والمصادق عليه من قبل المجلس الوطني التاسيسي في 24 ديسمبر 2013 – الصمت حول هذه المسالة : اي هل ان مسار العدالة الانتقالية بإمكانه ان يفضي الى اعادة قراءة او كتابة التاريخ ؟ فلم يتضمن القانون النهائي و المعمول به حاليا – و لو مرة – كلمة “التاريخ”. فهذا الموقف له مدافعوه ومنتقدوه.
وتجدر الاشارة هنا الى ان من نتائج اختيار هذا المنهج هو الغياب التام في تركيبة الهيئة لاي مختص في التاريخ بالرغم من ان الفصل 20 لقانون العدالة الانتقالية المخصص لتركيبة الهيئة ينص على ان ” يختار الاعضاء من الترشحات الفردية في الاختصاصات ذات الصلة بالعدالة الانتقالية كالقانون والعلوم الاجتماعية والانسانية والطب والارشيف والاعلام والاتصال…”.
و لكن غيب مختص في العلوم الانسانية مثل التاريخ بالرغم من ان الفصل 4 للقانون ينص في تحديده للكشف عن الحقيقة على ” ضبط ومعرفة اسباب وظروف ومصدر الانتهاكات والملابسات المحيطة بها والنتائج المترتبة عليها” ويعيد التأكيد على هذا المنهج في الفصل 39 حيث ينص مرة اخرى على “توضيح اسباب الانتهاكات المشمولة بأحكام هذا القانون”.
فهذه المهمة التي أوكلت لهيئة الحقيقة والكرامة والتي تتمثل في كشف الحقيقة وتوضيح اسبابها تتطلب حتما الاستعانة بمختصين في مادتي التاريخ والعلوم السياسية واختصاصات إنسانية اخرى وان لم ينص القانون على ذلك لانها تجد نفسها كما هو الشان امام ضرورة تناول تاريخ الانتهاكات من خلال حلقات متسلسلة زمنية كبيرة.

مهمة الهيئة : حفظ الذاكرة الوطنية
يؤكد القانون على مهمة الهيئة في حفظ الذاكرة الوطنية كما جاء في الباب الاول والفصل الاول للقانون ” يحفظ (القانون ) الذاكرة الجماعية و يوثقها “. واعتبر القانون المذكور في فصله 5 حفظ هذه الذاكرة الوطنية ك” حق لكل الأجيال المتعاقبة من التونسيات والتونسيين وهو واجب تتحمله الدولة وكل المؤسسات التابعة لها او تحت إشرافها لاستخلاص العبر و تخليد ذكرى الضحايا”. وينص في الفصل 44 للعنوان الثاني والباب الرابع منه المتعلق بمهام وصلاحيات الهيئة على ان “توصي الهيئة باتخاذ كل التدابير التي تراها ضرورية لحفظ الذاكرة الوطنية لضحايا الانتهاكات …”. ولكن لم يتعرض القانون الى تحديده للذاكرة الوطنية و الذاكرة الجماعية، مصطلحان كان من الضروري في رايي الوقوف عندهما. وكذلك الشان لمصطلح “المصالحة” او “المصالحة الوطنية” الذي تضمنه القانون والذي لم يحدده. واذا اشرنا الى الطلب الاجتماعي على التاريخ والى تزايد هذا الطلب بالنسبة للماضيً القريب ، فتساءلنا يبقى مطروحا : الا تشمل المصالحة مصالحة التونسيين مع تاريخهم وهو الذي يمثل ركيزة أساسية لهويتهم الثقافية ؟ فالتاريخ لا ينحصر في سرد الاحداث كما جاء في “المقدمة” لابن خلدون الذي اكد على ان التاريخ ” في باطنه نظر و تحقيق (…)، و علم بكيفيات الوقائع و أسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق”. و بعده بستة قرون تقريبا، كتب فرناند بروديل (Fernand Braudel) ان ” الهدف الحقيقي من التاريخ ليس بالضرورة دراسة الماضي … ولكن معرفة الانسان .. فالتاريخ ليس مجرد سرد… هو في تناغم مع الحياة و منتهاها انه يؤرخ للحياة بل يجب ان يكون الحياة نفسها.” فعلى الهيئة في اخر مراحلها ان توصي بمصالحة التونسيين مع تاريخهم و ان تقدم اقتراحات غايتها فهم أعمق للأحداث و الوقائع التي طبعت المرحلة الممتدة ما بين جويلية 1955 وديسمبر 2013 والتطلع لاستيعاب السياق العام لما جرى إبان تلك الحقبة لتجاوز الاثار السلبية الناجمة عما عرفته المرحلة من احداث أليمة و لكي لا يعيد التاريخ نفسه.

كشف الحقيقة: مطلب ملح
فالاشكال المطروح اذن هو الآتي : هل ان نتائج عمل هيئة الحقيقة و الكرامة في ما يخص كشف حقيقة الانتهاكات عبر المراحل التاريخية المحددة لعملها في القانون المنظم لها و هي ” الفترة الممتدة من الاول من شهر جويلية 1955 الى حين صدور هذا القانون ” اي 24 ديسمبر 2013 (58 سنة)، بامكانها ان تؤثر على اعادة قراءة او كتابة التاريخ ؟
في ما يخص العلاقة الجدلية بين التاريخ و الذاكرة، فهذه الاخيرة خلقت جدالا في الأوساط الأكاديمية و كذلك في الأوساط المهتمة بالعدالة الانتقالية بين من يرى ان بروز الحقائق في اطار مسار العدالة الانتقالية يمكن ان يلعب دورا في اعادة قراءة و كتابة التاريخ وبين من ينصح بالحظر من التعاطي مع مثل هاته الحقائق التي ستبرزها لجان الحقيقة وان على الباحث في التاريخ ان يحتفظ على تلك المسافة الضرورية التي يفرضه عليه عمله العلمي.
وان كنت شخصيا من مناصري فكرة ان الحقائق التي ستبرزها الهيئة يمكن ان تعين الباحثين في حقل تاريخ الزمن الراهن وان تضع على ذمتهم معلومات هامة قد تغير وتثري اعمالهم وان تسمح في الاخير اعادة قراءة او كتابة تاريخ بلادنا، فاني واعية تمام الوعي بالاشكاليات التي يطرحه مثل هذا التمشي. لذلك وجب التعرض الى ضرورة قراءة و كتاية التاريخ على ضوء اعمال لجان الحقيقة والإشكاليات العلمية التي يطرحها هذا الاختيار.
1- ان حفظ الذاكرة لا يعني القطع مع البحوث العلمية في مجال التاريخ بل و كما هو الشان مثلا بالنسبة لمركز الذاكرة الوطنية في بولونيا الذي وضع في اولى انشغالاته و أهدافه البحث في ميدان التاريخ المعاصر. كيف يمكن لنا إذن فهم هذا الاهتمام الكبير بالذاكرة الوطنية ؟ يؤمن المؤرخ الفرنسي «بيير نورا» ( Pierre Nora) بوجود ترابط بين هذا آلاهتمام و ظاهرتين تاريخيتين في عصرنا: الأولى متعلقة بالتغيير الذي طرأ على إحساسنا وتعاملنا مع الزمن، والثانية تختص بالأبعاد الاجتماعية لعملية التذكر.” ( محمد ديتو،”دور الذاكرة الوطنية في تعزيز ثقافة الديمقراطية”، الوسط )
2- الكشف عن واقع الانتهاكات عبر السرد الشفوي من شانه ان يقدم مادة للمؤرخين ل”خلق هواجس البحث و محفزات للبحث و التنقيب التاريخي و العلمي”( لائحة البحوث التاريخية المغربية في مجال تاريخ الزمن الراهن”)
3- اهتم بعض المؤرخين التونسيين في تونس وفي السنوات الاخيرة بالتاريخ الراهن بشكل ملحوظ بعد ان كان هذا الحقل حكرا على المختصين في العلوم السياسية و الانتروبولوجية وأيضاً على الصحفيين المتتبعين للشأن السياسي.
يجدر التذكير هنا بجهود المؤرخين التونسيين في مجال تاريخ الزمن الراهن منذ عقود. فهي كتابة تاريخية جديدة تقطع مع ما يسمى بالتاريخ التقليدي او على الاقل تطوره. و اعتبر بعضهم ان هذا التاريخ يكون بمثابة تحول في مهمة و مهنة المؤرخ . في تونس نخص بالذكر الدور الهام الذي لعبه كل من مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعهد العالي للبحث حول تاريخ تونس المعاصرة (المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية سابقا) و بعض المؤرخين الباحثين في الجامعات التونسية. فالبعض منهم اعتمدوا في أبحاثهم الشهادات الشفوية كمصدر من مصادر المعلومات التاريخية التي تجاهلها ما يسمى بالتاريخ الرسمي. وتراكمت الندوات العلمية حول موضوعات ذات صلة بما هو أني مثل الاستقلال وفترة الحبيب بورقيبة ونظام الدولة بتونس والانتفاضات والمحاولة الانقلابية (ديسمبر1962) والاعتقالات والتي شاهدت احيانا حضور شهاد عايشوا الاحداث التاريخية المذكورة او شاركوا فيها. فاحتلت الشهادة موقع الصدارة في فهم التاريخ و اصبحت تمثل ذاكرة مرجعية و وثيقة أساسية لرصد واقع العمل السياسي. و اصبحت الشهادة المصدر الذي يضمن الحقيقة.
و ان دلت هذه الملتقيات على شئ فهي تدل على انشغال المؤرخين بتجديد المعرفة التاريخية بفتحها على التاريخ القريب او كما سماه Jean Lacouture” التاريخ الفوري “. و كما بين بعض المؤرخين المغاربة ان “الماضي هو قضية الراهن و الراهن هو واقع التاريخ”.
كما اهتمت عديد المقالات التي صدرت في الجرائد اليومية و الأسبوعية بما حصل من عنف سياسي في العهد البورقيبي وساهمت كل هذه الأبحاث و الملفات الصحفية في انشاء اهتمام كبير لدى القراء والمهتمين .كما اهتم المسرح التونسي بالعنف السياسي و خصصت مسرحية “خمسون ” للفاضل الجعايبي وجليلة بكار الذان قاما بهذا الإبداع الفني لقراءة عقود من تاريخنا وذلك سنة 2006 اي بمناسبة خمسينية الاستقلال (1956).

كما ادى الانفتاح الديمقراطي في تونس الى ظهور كتابات وشهادات عديدة وافلام وثائقية حول انتهاكات حقوق الانسان و ظروف الاعتقالات و التعذيب لان التاريخ الرسمي الذي درس في مؤسساتنا التعليمية غامض سياسيا و تاريخيا. فمعرفة تفاصيل مرحلة ما بعد الاستقلال اصبحت مطلبا قويا لدى التونسيين و التونسيات لمعرفة ماذا حدث في بلدنا من خلال الدعوة الى البحث في الماضي لفهم افضل لحالتنا الراهنة.

وهذا يعبر عن وعي تاريخي للمجتمع التونسي وعن حاجته الملحة لتاريخ يخترق الحاضر. وقد ساهمت في هذه التوعية عدة جمعيات حقوقية ومراكز وشبكة وتنسيقية العدالة الانتقالية. وقد اصدر مركز الكواكبي و الشبكة و التنسيقية ادبيات حول انتهاكات حقوق الانسان و اذكر منها الكتاب التي اصدرته اخيرا التنسيقية حول ” انتهاكات حقوق الانسان بتونس 1956-2013 بين الذاكرة و التاريخ ” و البحث الوطني المنجز بالتعاون بين مركز المواطنة والديمقراطية والشبكة التنسيقية للعدالة الانتقالية حول ” العدالة الانتقالية بين واقع الانتهاكات وانتظارات الضحايا 1987-2011).
كل هذا الاهتمام بعقبات تاريخية ان دل على شيء فهو يدل على حاجة و تعطش التونسيين و التونسيات الى تاريخ موضوعي والى تمكنهم من فهم بشكل علمي ما جرى و ما يجري من عنف سياسي وانتهاكات لحقوق الانسان .

تساؤلات بعض المؤرخين و تحفظاتهم
ولكننا واعون بان مهمة الهيئة التي تتمثل في كشف الحقيقة يطرح عدة تساؤلات لدى المؤرخين والمهتمين وسنكتفي بعرض اربعة مسائل :

1- عن اي حقيقة نتحدث ؟ هل هي حقيقة ذاتية ؟ هل هي حقيقة تاريخية ؟ هل هي حقيقة مطلقة؟ ام هي حقيقة نسبية ؟ هل هي حقيقة مؤقتة، قابلة للمراجعة عند اكتشاف وثائق بقيت مجهولة وتوفر شهادات جديدة ؟ هل ان أبحاث التاريخ العالم قادرة على فرز الحقيقة النهائية ؟”
“فالحقيقة يكشفها التاريخ العام اعتمادا على الوثيقة المكتوبة، الارشيف، وتبوح بها الذاكرة، ذاكرة الضحايا، وذاكرة المسؤولين والجلادين من خلال الاستجواب او الاستنطاق ” كما جاء في تعليق الجامعي المغربي المختص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد الحي المودن على مداخلة محمد الطوزيً في ملتقى التحليل السياسي Cercle d’analyse politique الذي خصص العدد السادس لكراساته الزرقاء (2006) bleus Les Cahiers الى مسالة الذاكرة و التاريخMémoire et Histoire.

فالاشكال المطروح يتمثل في ان الحقيقة التي توصلت اليها لجان الحقيقة ” هي حقيقة سياسية اي حقيقة تحظى برضا الفاعلين السياسيين ، والتي هي مختلفة عن حقيقة التاريخ العالم.” فالقانون المنظم للعدالة الانتقالية لم يحدد بصفة دقيقة مفهوم هذا المصطلح. فكان على الهيئة ان توضع للنقاشٍ في ندوات تنظمها مفهوم الحقيقة كما فعلت في طنجة ستة 2004 هيئة الإنصاف والمصالحة لان بعض الدراسات “أظهرت صعوبة التوصل الى حقيقة تاريخية بشكل قطعي و نهائي “.
2- هل يمكن للمؤرخين الاعتماد على الشهادة او الذاكرة، فردية كانت ام جماعية ؟ فالتاريخ الشفوي يطرح إشكاليات. وهناك من المؤرخين من يعتبر ان سرديات التاريخ الشفوي ليست مصدرا خاما للتاريخ. “فالذاكرة تبقى انتقائية لان الانسان لا يتذكر الا ما يرضيه ويسدل رداء النسيان على ما يرضيه ” كما جاء في مداخلة مؤرخ مغربي . فالشهادة “تبقى ذات سمة ذاتية، انفعالية، رمزية. فهي تفتقر لجهاز مفاهيمي و تعمل بكيفية إرادية او لا ارادية، بناء على حاجيات اللحظة، على تضخيم الاحداث او تقزيمها”. اما الكتابة التاريخية فتقوم على الموضوعية و التحليل و النقد (…). ففي نظر بعض المؤرخين، لا يمكن للشهادة ان تحل محل كتابة المؤرخ ” لذلك وجب التمييز بين الشهادة التاريخية و الكتابة التاريخية. ( تقديم اعمال الورشة الاولى لأيام تاريخ المغرب، إفران 2006 )
3- كما تطرح مسالة اخرى وهي قضية المسافة الزمنية التي تثير عددا من المؤرخين كما ذكره بعض الباحثين المختصين في مجال التاريخ “. ولكن يبقى التساؤل مطروحا : “هل ليس بإمكان المؤرخ ابتكار منهجية جديدة لمعالجة التاريخ الراهن و فهمه و خلق مسافة من نوع اخر بينه و بين الاحداث المعروضة، اي مسافة منهجية اكثر منها زمنية ؟”. (تقديم اعمال الورشة الاولى لأيام تاريخ المغرب، إفران 2006 )
فلا شك في ان تجربة الهيئة ستساهم في فتح النقاش داخل ” المدرسة التاريخية التونسية” و الأوساط الأكاديمية حول تاريخ الزمن الراهن و الأدوات المنهجية البديلة و معالجة إشكاليات جديدة و اعادة الاعتبار للذاكرة . وهي فرصة لطرح تساؤلات متجددة من شانها اثراء المعرفة التاريخية. ولعل من الضروري في هذه الفترة الانتقالية التي تعيشها بلادنا” تدبير العلاقة مع الماضي و اعادة بناء الذاكرة الجماعية و فتح ورشة كتابة التاريخ على أسس جديدة”. ( محمد الصغير جنحار، كاتب مغربي )
و في النهاية اود ان اذكر ما قاله بول ريكور Paul Ricoeur: ” القاضي هو الذي يحكم و يعاقب، و المواطن هو الذي يناضل ضد النسيان و من اجل انصاف الذاكرة، اما المؤرخ فمهمته تكمن في الفهم دون اتهام او تبرئة.”

خاتمة : على هيئة الحقيقة والكرامة ان تبرهن على حيادها
و أخيرا، اريد ان اسوق بعض الملاحظات حول مسار هيئة الحقيقة والكرامة وعملها المتواصل منذ ثلاث سنوات وان اؤكد انه من الضروري ان تحدد غايات التاريخ في ظل هذه الصراعات السياسية التي تعرفها بلادنا لكي لا يوظف هذا الاخير لخدمة مصالح فئوية ضد اخرى. وهذا للاسف ما نلاحظه من خلال جلسات الاستماع العلنية التي نظمتها الهيئة الى حد هذا التاريخ.

فقد وجه اللوم للهيئة بتوظيف الشهادات وتوجيهها في اتجاه سياسي معين يخدم اطراف سياسية دون اخرى. كما وجهت انتقادات عديدة للهيئة في ما يخص قراءتها للسياقات التاريخية التي جرت فيها الانتهاكات. فالسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو الاتي : كيف للهيئة ان لا تنساق في التجاذبات السياسية وان تعمل بكل موضوعية وحياد ؟ لان اذا واصلت الهيئة عملها في هذا النسق فهي ستضع مسار العدالة الانتقالية في خطر والحال وان هذه الاخير يمثل ركيزة من ركائز مرحلة الانتقال الديمقراطي وانه فرصة تاريخية هامة وفريدة من نوعها لبناء نظام ديمقراطي يقطع مع عقود من الاستبداد والسلطوية ولمصالحة التونسيين مع تاريخهم.
*كاتبة ومؤلفة كتاب “بورقيبة والمسالة الديمقراطية” (نقوش عربية 2016).

 

*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.