الرئيسية » قريبا :المشهد السياسي يشكل الملامح الأولية لمشروع قانون المصالحة الوطنية

قريبا :المشهد السياسي يشكل الملامح الأولية لمشروع قانون المصالحة الوطنية

  
بقلم : وليد البلطي 

في قراءة نقدية لمشروع قانون المصالحة ،التي وٌصفت على أساس مصالحة مالية، و المقترح سابقا من رئاسة الجمهورية.

يتضح ان المشروع قد تمت دباجته في شكل قانون يضم تفاصيلا لأمر ترتيبي ،خصيصا لرجال الاعمال و الموظفيين السامين بالدولة من وزراء و مديرين عامين في زمن حكم بن علي والذين ِسيقت اقدامهم في قضايا جزائية نشرت لدى المحاكم العدلية و وجهت لهم تهم في المشاركة على معنى الفصل 32 من المجلة الجزائية و أو تهم استخلاص فائدة لنفسه او منفعة للغير بموجب الوظيف طبقا لاحكام الفصل 96 من المجلة الجزائية، كان المتهم الرئيسي فيها رئيس الجمهورية السابق و الذي كانت قوانين الجمهورية تحميه من المسائلة القانونية على جملة الأفعال خلال فترة قيامه بمهامه كرئيسا للدولة، كما هو الحال بالنسبة لرؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على قصر قرطاج بعد سقوط النظام السياسي يوم 14 جانفي 2011 .
و تعتبر المصالحة حلقة من حلقات العدالة الانتقالية، التي تعمل على القطع مع الماضي نهائيا و الحد من تاثيره السلبي على الاشخاص و المجتمع في إطار نبذ العنف و الكراهية و النقمة وذلك تأسيسا لمجتمع متآخي و متآزر، لا يقصي أحد على خلفية انتماء سياسي او نسب أو لون أو عرق، يكرس مبدأ المساهمة الجماعية في معالجة القضايا الوطنية،دون اعتماد العنف بانواعه ،ذلك ان المصالحة هي روية مستقبلية لوطن أفضل ، يرفض مواطنوه أن يتم شدهم الى الوراء للمضي قدما نحو المستقبل بنظرة متفائلة لتحسين الواقع المعيش و تكميد الجراح ، على غرار ما قام به الجزائر الشقيق من قوانين في باب الوفاق الوطني وصولا الى المصالحة الوطنية ، حتى تم بذلك الخروج من المشاكل التي خلفتها الصراعات السياسية بجميع مظاهرها المتمثّلة في الاغتيالات السياسية و التغرير بالشباب و جره نحو القيام بأعمال ارهابية ضد الدولة و المدنيين العزل.
المصالحة و العدالة الانتقالية ، وجهان لعملة واحدة، لا يستثنى من مسارهما أحد و لو كان الشيطان بعينه ، فمصلحة الدولة و الوطن في كفة و نية انتقام مجموعة من مجموعة في كفة اخرى و الغلبة دائما للوطن والذي يناور من أجله ممثلوا السلطة التنفيذية في رسمهم للمنهج السياسي لغاية تغليب مصلحة الوطن على المصالح الضيقة و في المقابل تستميت احزاب المعارضة في معارضة مقترحات السلطة، خوفا من تكريس سياسة اللافلات من العقاب و ارتفاع حجم الفاسد.
فطرح مبادرات المصالحة الوطنية، بعد سنوات من الحساب ، ترجمها واقع قرارات تحجير السفر و حجز الجوازات و الخطايا المالية و سنوات بالسجون ، ليس حكرا على المنظمات الوطنية او الاحزاب المشكلة للمشهد السياسي بتونس ،و لكنها تبقى من صلاحيات من خول له الدستور الحق في ذلك، من شانه ان يستفتي فيه الشعب ان لزم الامر ذلك. وقد تبدأ ملامح مشروع قانون المصالحة الوطنية بالتشكل على خلفية ما شهدته البلاد منذ تاريخ 14 جانفي 2011 الى اليوم تحت مسميات مختلفة و شعارات سياسية متعددة ستستمد شرعيتها من عديد الآيات القرانية على غرار ” بسم الله الرحمان الرحيم : و كفى المؤمنين شر قتال او والكاظمين الغيظ و العافين عن الناس أو خذ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ أو وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ،…” ، و الغاية في الأصل هي معالجة اهم القضايا و التخلص من الرواسب بارادة سياسية تترجم صلب نص قانوني من شانه ان يكون على النحو التالي :
مشروع قانون عدد……………مؤرخ في………يتعلق بتفعيل آلية المصالحة الوطنية

الفصل الأول: تعرف المصالحة الوطنية على معنى هذا القانون هي شكل من أشكال العدالة الانتقالية التي تكون ضرورية لمساعدة المجتمع على الانتقال من ماضي يسوده الانقسام الى مستقبل يشارك فيه كل المواطنين في السعي نحو إلغاء عــــــــــــــــــوائق الماضي و تواصل آثارها على جميع فئات المجتمع دون تمييز فيما بينهم على خلفية نسبهم أو عرقهم أو انتماءاتهم السياسية أو مناصبهم صلب الدولة قبل سقوط النظام السياسي بتونس في 14 جانفي 2011 و الالتزام من قبل الجميع بالقطع نهائيا مع الحلول العنيفة في معالجة الملفات و القضايا و نبذ العنف بمختلف أشكاله .

الفصل الثاني: تهدف المصالحة الوطنية الى ما يلي:

– تكريس مبدأ الإعفاء من التتبعات العدلية وتطبيق مبدأ القانون الأصلح للمتهم في إطار تجسيد الإرادة السياسية التي تسعى جاهدة للقضاء على بذور الحقد والانتقام،

– فتح عهد جديد يؤسس لبناء مستقبل أفضل يضمن كرامة العيش لجميع التونسيين و الحق في ممارسة جميع حقوقهم الدستورية مع الالتزام بالواجبات في إطار احترام سيادة الدولة الوطنية و مؤسستها

– العزم على إعادة السلم و الاستقرار والأمن و النمو والازدهار للوطن وللمجتمع و إعادة الهيبة والاعتبار للدولة والاحترام الكامل لسيادة القانون

– تهيئة مناخ ملاءم يشجع على الاستثمار وينهض بالاقتصاد الوطني ويعزز الثقة بمؤسسات الدولة

الفصل الثالث: تعلق جميع التتبعات و المحاكمات و تنفيذ العقوبات السالبة للحرية و تلغى جميع الإجراءات التحفظية المنجرة عنها و المتعلقة بحجز جزاوات السفر و تحجيره ،بالنسبة لجميع المتهمين الماثلين حضوريا أمام القضاء و المحالين على أنظار العدالة في جميع القضايا المنشورة لدى المحاكم بالجمهورية التونسية ابتداء من 15 جانفي 2011 ،من أجل أفعال مكنونة لجرائم :

– الفصول 32 و 96 و 97 و 97 مكرر و 97 ثالثا من المجلة الجزائية

– فصول مجلة الصرف و التجارة الخارجية باستثناء الأفعال المجرمة بموجب القانون عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 يتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال،

الفصل الرابع:يتولى الوزير المكلف بالعدل ،عرض جميع الملفات الخاصة بالمتهمين الذين في تاريخ صدور القانون بصدد تقضية عقوبة سجنية من أجل الجرائم المنصوص عليها بالفصل الثالث على أنظار رئيس الجمهورية في آجل أقصاه سنة من تاريخ نشر القانون بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية لاتخاذ ما يراه صالحا في شأن إصدار عفو رئاسي خاص.

الفصل الخامس:تلغى جميع الأحكام القضائية السالبة للحرية في كل الجرائم المنصوص عليها بالمرسوم عدد 115 لسنة 2011 مؤرّخ في 2 نوفمبر 2011 يتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشـــــر و تلغى العقوبات السالبة للحرية و المنصوص عليها بالمرسوم المذكور و تعوض بالخطية المالية ، يتم تحديد مقداره بأمر ترتيبي .

الفصل السادس : تكلف لجنة المصادرة المحدثة بموجب أحكام المرسوم 13 لسنة 2011، مرسوم عدد 13 لسنة 2011 مؤرخ في 14 مارس 2011 يتعلق بمصادرة أموال وممتلكات منقولة وعقارية، في آجل أقصاه سنة ابتداء من تاريخ نشر القانون بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ،بمراجعة جميع القرارات الإدارية الخاصة بمصادرة الأموال و ممتلكات منقولة و عقارية لكل شخص معني بالمصادرة و العمل على التثبت في شرعية اكتسابها و اتخاذ كل القرارات المناسبة لتمكين المعنيين بالمصادرة من التحوز مجددا بأملاكهم في صورة ما إن تمت إقامة الحجة حول سلامة وشرعية مصدرها وذلك بعد عرضها على أنظار رئيس الحكومة الذي يأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.

*وليد البلطي : خبير في الحوكمة و مقاومة الفساد 

 ** المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.