الرئيسية » الانتخابات البلدية: لمذا تأخرت أم المعارك؟

الانتخابات البلدية: لمذا تأخرت أم المعارك؟

 

تعتبر بلادنا من البلدان العربية الرائدة في العمل البلدي حيث كانت تونس العاصمة تحتوي منذ سنة 1958على مجلس يعنى بالتصرف في الشؤون البلدية والبتّ فيها برئاسة شيخ المدينة.

بقلم الأسعد بوعزي*

هذه المجالس التي انتشرت إلى مدن أخرى زمن الحماية الفرنسية، أصبحت تغطي كل المدن التونسية مع حصول البلاد على استقلالها سنة 1956 ما أدّى إلى إصدار الأمر المؤرخ في 14 مارس 1957المتعلق بقانون البلديات والذي  جاء لينظم كيفية عملها بصفة رسمية في كامل تراب الجمهورية قبل أن يتم تعويضه بالقانون عدد 33 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماي  1975المتعلّق بإصدار القانون الأساسي للبلديات.
ومع مجيء  الثورة التونسية في  2011، تم حلّ معظم المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية باقتراح من قبل نواب الجهة المعنية في المجلس التأسيسي. وبما ان هؤلاء النواب ينتمون إلى أحزاب سياسية متناحرة، فان المجالس البلدية تأثرت بالتجاذبات السياسية ما اثر سلبا على عملها. وبالرغم من تغيير بعض النيابات عديد مرات، فان المواطن لم يلاحظ أي تحسّن في مردودها إذ لم تعد قادرة حتى على رفع الفضلات معرّضة في ذلك صحة المواطن إلى الخطر وصورة البلاد إلى التشويه.
وبالرغم من تحقيق الانتقال الديمقراطي بالبلاد وتركيز أهم المؤسسات الدستورية، فلا حكومة السيد الحبيب الصيد ولا حكومة خلفه السيد يوسف الشاهد نجحت في تنظيم الانتخابات البلدية التي تمثل مطلبا ملحّا للمواطن لما يكتسيه العمل البلدي من أهمية بالغة في حياته اليومية وهو ما يقودنا إلى طرح التساؤلات التالية:
لمذا تتأخر الانتخابات البلدية؟
منذ انتخابه على رأس أوّل حكومة في الجمهورية الثانية،  صرح السيد الحبيب الصيد أن تنظيم الانتخابات البلدية يعتبر من أولويات حكومته وترأس أشغال المائدة المستديرة التي نظمتها الهيئة العليا للانتخابات بحضور ممثل عن رئاسة الجمهورية ووفد وزاري وكذلك رؤساء كلّ من حركة النهضة والتكتل والمبادرة والحزب الجمهوري وممثلين عن عديد الأحزاب الأخرى منها نداء تونس وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية وحركة الشعب والاتحاد الوطني الحر. وبهذه المناسبة شدد رئيس الحكومة على ضرورة الزيادة في عدد البلديات حتى تغطي كامل تراب الجمهورية وهو ما تمّ تحقيقه لاحقا.
وعلى اثر هذه الجلسة، صرّح السيد شفيق صرصار رئيس الهيئة أن إجراء الانتخابات البلدية سيكون في موفى شهر أكتوبر 2016 معلنا عن رزنامة أعدتها الهيئة لتامين الانتخابات وطالب بالإسراع في تحقيق بعض المتطلبات من أهمها إعداد السجل الانتخابي وإصدار القانون المتعلق بالانتخابات وإعادة تقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية بلدية.
ما لم يكن في الحسبان هو أن الرزنامة التي طرحتها الهيئة والتي تنصّ على أن تتم المصادقة على مشروع القانون من طرف مجلس نواب الشعب في 15 فيفري 2016 لم يتم احترامها ما تطلب تأجيل موعد الانتخابات إلى يوم 26 مارس 2017.
ومع بداية شهر جوان 2016 وبعد جدل طويل، شرع مجلس نواب الشعب  في مناقشة مشروع الانتخابات والاستفتاء غير أن الآمال سرعان ما خابت من جديد في شهر أوت لما صرح السيد شفيق صرصار على أمواج “أكسبراس أف أم” أنه أصبح من المستحيل إجراء الانتخابات البلدية في موعدها المقرر في مارس 2017 بسبب “التأخير المتعمّد” من السياسيين في إقرار قانون الانتخابات وانه لا يمكن تحديد موعدا جديدا ما لم يتم إصدار القانون الانتخابي.
ما يمكن استخلاصه ممّا سبق ذكره هو أن الانتخابات البلدية تأخرت بسبب عدم إقرار القانون الخاص بها نتيجة التجاذبات السياسية وتعمد بعض الأحزاب تأخيرها.   
لمذا تتعمد الأحزاب تأخير الانتخابات؟
إن تأخير الأحزاب لموعد إجراء الانتخابات البلدية وان كان في ظاهره يعود إلى أسباب معلنة تتعلق بمضمون هذا القانون، فهو راجع بالأساس إلى سبب رئيسي على غاية من الأهمية تحرس بعض الأحزاب على تحقيقه ما يجعلها تتكتّم عليه:
 
من المسائل الخلافية المعلنة التي أثيرت خلال مناقشة مشروع القانون في لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية، تتعلق بتمثيلية الشباب وذوي الاحتياجات الخصوصية، وإقرار مبدأ التناصف، وتمويل الحملة الانتخابية ومراقبة التمويل. ويأتي على رأس هذه المسائل طرح مطلب حل النيابات الخصوصية لضمان إجراءات الانتخابات البلدية في كنف الشفافية والنزاهة وحياد الإدارة من ناحية ومراجعة الفصل السادس من مشروع القانون الذي يستثني أعضاء الجيش الوطني والامن الوطني والحماية المدنية وموضفي الديوانة ومصالح السجون من الانتخابات من ناحية أخرى وهو ما تسبب في أزمة سياسية داخل مجلس نواب الشعب عجزت كل الأحزاب على معالجتها.
وفيما تم تجاوز الإشكاليات المطروحة صلب لجنة التوافقات داخل المجلس بما فيها حلّ النيابات الخصوصية التي تم الاتفاق حولها يوم 2 جوان 2016 وتعهد رئيس الحكومة بتفعيلها قبل موفي شهر أكتوبر المنصرم، فان الخلاف لا يزال قائما حول الفصل السادس من مشروع القانون وهو لعمري الذريعة التي تخفي السبب الحقيقي الذي يقف وراء تأخير الانتخابات. وقد برز “نداء تونس”  من اشدّ المتمسكين بمراجعة هذا الفصل قصد السماح لحاملي السلاح بالمشاركة في الانتخابات. وقد فسر الملاحظون هذا الطرح بمناورة سياسية يسعى من ورائها الحزب لربح الوقت عسى ولعله يرمّم نفسه بعد ما تيقن من الضعف الذي أصبح عليه  جرّاء تفككه واقتنع بعدم قدرته على منافسة “حركة النهضة” لكسب رهانا يأتي على رأس الرهانات الوطنية.
لمذا تمثل الانتخابات البلدية رهانا بالغ الأهمية؟
لكونه جماعة محلية منتخبة تسهر على إدارة شؤون البلدية، فان المجلس البلدي يمثل  الجهاز الأول الذي يتدخل لخدمة المواطن في كل ما له صلة بحياته اليومية ومحيطه البيئي والاجتماعي وهو يمثل أيضا الحلقة الوثقى التي تربط المواطن بالسلطة المركزية.  
وتكمن أهمية هذا المجلس في أهمية اللجان القارة التي يتركب منها والتي تأتي على رأسها اللجنة المكلفة بالأشغال والتهيئة العمرانية والبيئة، واللجنة الإدارية وإسداء الخدمات، واللجنة المكلفة بالفنون والثقافة والتربية والتعليم، واللجنة المكلفة بالشباب والرياضة، واللجنة المكلفة بالشؤون الاجتماعية والشغل، ولجنة العمل التطوعي. كل هذه اللجان بعثت من اجل خدمة المواطن ورفاهيته والنهوض به على جميع الأصعدة وهو ما يعني أن كل حزب من الأحزاب السياسية له القدرة على ربح أغلبية الثلاث مائة وخمسين (350) مجلسا في الانتخابات البلدية المقبلة سوف يكون في طريق مفتوح لربح الانتخابات التشريعية ويصبح في إمكانه حكم البلاد لسنوات طويلة وهو لعمري رهان يجعل من الانتخابات البلدية “أمّ المعارك”.
متى يتم تنظيم الانتخابات البلدية؟
من المنتظر أن يتم الاتفاق على موعد الانتخابات البلدية متى تمّ تشكيل الجبهة الديمقراطية المرتقبة بمشاركة كلّ من “المشروع” والحزب الوطني الحر وحزب آفاق تونس وبعض المنشقين عن نداء تونس. وحسب تصريح للسيد عبد الفتاح مورو النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب ونائب رئيس حركة النهضة ( بث على قناة نسمة بمناسبة عيد ثورة 14 جانفي)، فانه من المتوقع أن يتم التوافق في قادم الأيام على حلّ لتجاوز إشكالية “الفصل السادس” من قانون الانتخابات والاستفتاء. وفي هذا الإطار، من المرجح أن يتم الإبقاء على هذا الفصل بصيغته الحالية (لا نزولا عند رغبة النهضة وإنما عن قناعة) لان كل ما أثير من حوله من جدل ما هو إلا ذريعة لربح الوقت وتكوين هذه الجبهة على أمل ضمان منافسة جدية للحركة في هذه الانتخابات.
*عقيد بالبحرية – متقاعد- و كاتب العام السابق للمركز الأورومغاربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية لمجموعة البلدان 5+5 دفاع.
  ……………………………………………………………………………………………..

 المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.