الرئيسية » ظاهرة التبذير في الاستهلاك و الحاجة إلى معالجتها

ظاهرة التبذير في الاستهلاك و الحاجة إلى معالجتها

أعيادنا ومناسباتنا كثيرا ما تقترن بكثرة الاستهلاك إلى درجة التبذير الذي نهى عنه ديننا الحنيف. و التبذير في عصرنا هذا أضحى ظاهرة مزعجة لها كلفتها أمام تقهقر المقدرة الشرائية للمواطن و الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الغذائية.

لذلك حظي الأمر بالعناية اللازمة من قبل المعهد الوطني للاستهلاك من خلال دراسة مستفيضة أعدت للغرض وقدم بعض تفاصيلها المدير العام للمعهد طارق بن جازية خلال لقاء إذاعي على أمواج إذاعة “اكسبراس اف ام”.

وقد اعتمدت هذه الدراسة على عينة ضمت 2004 أشخاص موزعين على مختلف ولايات الجمهورية لهم قابلية التبذير في الاستهلاك والاستعداد لتغيير سلوكياتهم

الخبز في صدارة الترتيب

و أفرزت نتائج الدراسة أن 3،8 بالمائة من المستجوبين يقرون بإعادة استعمال فواضل المأكولات في أطباق أخرى و أن 22 بالمائة منهم يستهلكون ما اعدوه كاملا دون تلف و أن 70 بالمائة يلقون فواضل مأكولاتهم في سلة المهملات أو هم يقدمونها غذاء للحيوانات الأليفة.

و بخصوص المواد الأكثر عرضة للتبذير نجد الخبزالذي يحتل المرتبة الأولى بنسبة 16 بالمائة من كميات الخبز المشتراة، تشهد على ذلك الكميات الكبرى من الخبزالتي تتلف يوميا و أصبحت مجالا للمتاجرة في مجال التغذية الحيوانية.

و تأتي في المرتبة الثانية منتوجات الحبوب بنسبة 10 بالمائة تليها الخضروات بنسبة 6،5 بالمائة ثم الغلال (4 بالمائة) فالحليب و مشتقاته (2،3 بالمائة) و أخيرا اللحوم بنسبة 2 بالمائة

ومن حيث الانعكاسات المالية لهذه الظاهرة ذات التأثير المباشر على صندوق التعويض و بالتالي على ميزانية الدولة تفيد هذه الدراسة أن التبذير الغذائي تقدر كلفته على المواطن التونسي ب64 دينارا في الشهر أي ما بعادل نسبة 18 بالمائة من مجمل النفقات الغذائية المقدرة ب 364 دينارفي الشهر الواحد وهو ما يمثل نسبة 10 بالمائة من متوسط الأجر الذي يقدر في تونس ب 680 دينار.

بين الاستهلاك و الادخار

و إذ تعكس هذه الظاهرة حجم الأموال التي تصرف سنويا في باب التعويض لتكون أسعار هذه المواد الاستهلاكية مساهمة في تخفيف العبء على المواطن الذي يشتكي باستمرار من اهتراء مقدرته الشرائية فإنها تبين في ذات الوقت السلوكيات الاستهلاكية التي يمكن القول بأنها مبالغ فيها و تحتاج إلى التعديل و الدليل على ذلك ان دينارا واحدا يضاف إلى أجر المواطن تخصص منه نسبة 0،96 بالمائة للاسنهلاك في حين أن الأمر في أوروبا يختلف اختلافا تاما أذ أن  نسبة 0،69 بالمائة من ذلك المقدار تخصص للادخار.

أما مقدرة المواطن التونسي على الادخار فتتجلى من خلال حجم القروض التي يستفيد منها والتي يوجه النصيب الاوفر منها ألى اقتناء المسكن أو تحسينه، وفق ما أفاد به طارق بن جازية. فهذه القروض التي قدرت ب 19،5 مليار دينار سنة 2016 هي في الواقع اد خار اجباري يبين مدى علاقة التونسي بالملكية الخاصة و بملكية المسكن على وجه التخصيص.

و لكن رغبة التونسي في التداين تدفعه ألى الالتجاء ألى ما يسمى بالقروض الجارية . وهي قروض موجهة أساسا للاستهلاكات العادية وبلغت قيمتها الجملية في نفس السنة 3000 مليون ديناروزعت في شكل قروض صغرى تتراوح بين 3000 و 5000 دينار.

التحسيس بمضار التبذير

و أيا كان نوع التوصيف الذي نضفيه على هذه القروض و على النسق الاستهلاكي فإن الاستهلاك الداخلي يبقى ضروريا، في نظر المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك، إذا ما أردنا المحافظة على نسبة نمو تتراوح بين 1 و 1،5 بالمائة .لذلك يبقى الأمل معقودا على الزيادات المنتظرة في الأجور لتحسين القدرة الشرائية للمواطن و بالتالي  ليتطور استهلاكه و لكن بعيدا عن التبذير.

و للتقليص من حجم ظاهرة التبذير توصي الدراسة بتكثيف العمل التحسيسي حول مضار التبذير و إعداد الآليات اللازمة للمتابعة ووضع مخطط وطني للتصدي لهذه الظاهرة.

كما توصي بإصار نص قانوني في الغرض على غرار ما هو موجود في بعض البلدان الاوربية مثل فرنسا و إيطاليا. فهذه الأخيرة تقدم التشجيعات و الحوافز لأصحاب المطاعم و أصحاب المساحات التجارية الكبرى قصد إحالة فواضل المأكولات و المواد الغذائية المستغنى عنها لفائدة الجمعيات الخيرية مقابل الإعفاء من الضرائب البلدية.

و في هذا السياق تم تكليف المعهد الوطني للاستهلاك بإعداد دراسة حول التبذير في مادتي الخبز و الحليب على المستوى الوطني و ذلك في إطار برنامج لتقييم سلسلة التكاليف و التصدي للتبذير الغذائي الذي أذنت به منظمة الأمم المتحدة للأغذية و الزراعة بالشراكة مع وزارة الفلاحة و الموارد المائية و الصيد البحري.

و في نفس التوجه سيتم إعداد دراسات تعنى بتحديد تركيبة الفواضل التي تطرحها عينة تتكون من 1500 عائلة على امتداد شهرين كاملين. و ستشمل الدراسات كذلك فواضل المساحات التجارية و المطاعم الجامعية  و مطاعم المستشفيات و السجون و الفنادق . و سيعلن عن نتائج هذه الدراسات في منتصف السنة الجارية  .

 

وجدي مساعد

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.