الرئيسية » تونس في 2017 : بين المال الفاسد والدين المُشَوّه

تونس في 2017 : بين المال الفاسد والدين المُشَوّه

بقلم فرحات عثمان*

تنقضي هذه الأيام سنة 2016 وقد كانت ملأى بالإرهاصات لما تبدو سنة 2017 به حبلى. وهذا العام الجديد الذي تُحي فيه تونس الذكرى السادسة لانقلاب شعبها على كل ما تحجر في بلاده لمُثقل بكل ما من شأنه أن يعيد نضارة الحياة بتونس الجميلة وشعبها المؤنس الأنيس، أو ما من شأنه، لا قدّر الله، أن يزيد في سواد سحنتها الحالي سوادا غربيبا نظرا لما خيّم بكلكله من جمود وتزمّت على عقول البعض من ساستها وأهل الحل والعقد بها.

سنعرض لهذا التحدي في محطتين تلخصان الوضع بالبلاد حسب ما نراه من المعضلات الأهم التي لا شك أن حلّها أو تعقيدها يحمل في طياته كل الآمال والإحباطات خلال هذه السنة الجديدة أعادها الله على تونس بكل اليمن والبركة؛ فذلك ما يستحقّه شعبها.

خطر المال الفاسد وكيفية تزكيته : 

التحدّي الأول بلا منازع الذي على النخبة التونسية رفعه دون تأخير يتمثل في تفشي كل عيوب رأس المال المتوحش الذي همه الأوحد أن يجعل من تونس سوقا فيها كل شيء يُشترى ويُباع. لذا، استشرى الفساد ببلادنا وكثرت مظاهره وصعبت مقاومته لضعف الدولة وتغلغل رديفه، أي التحجر العقلي، في دواليبها.

فمنه كل أصناف التهريب، ومنه التهرب الضريبي ومنه أيضا الإرهاب الذي تكون أول تجلياته في الذهن والمخيال واللاوعي، مما يفرز إرهابا عقليا. ولا شك أن هذا المارد العتيّ لا يُقاوم اليوم بمجرد العزيمة الطيبة والنيات الصادقة، إذ لمثل هذا الفساد المتنوع الظواهر الجذور المكينة، والتي تزيدها متانة منبع أغلبها العالمي في نطاق المنظومة الحالية المهميمنة على نظام اقتصادي وسياسي جائر.

لذا، إضافة للإرادة السياسية والنزاهة الأخلاقية، لا بد لمقاومة كل تلك المخاطر والمفاسد الآليات الفاعلة الفعّالة المعهودة في دولة القانون، وهي طبعا ليست بعد بتونس؛ ثم حتى البعض التي يقع استنباطها بعسر تفتقر للمصداقية الضرورية لعدم التعرض للأصل والاكتفاء بالفصل، مرواغة أو كذابا.

لذلك، لا بد للحكام، إذا حسنت النية عندهم – ونحن لا نشك في ذلك- من فرض الانتقال بالبلاد، في تبعيتها المعلومة  والتي لا مناص منها  للنظام الاقتصادي الغربي، من صفتها غير الرسمية الحالية إلى صفة رسمية تتمثّل في المطالبة بالانضمام إلى أقرب منظومة قانوية لها، أي الاتحاد الأوروبي.

فلا مجال أن تتواصل الحال على ما هي اليوم من تبعية فاضحة لا محيد عنها، إلا أنها غير رسمية، ولا فائدة فيها إلا للطرف الأقوى، أي للبلاد الغربية التي هي، في الحقيقية، المتمتعة الحصري بخيرات البلاد لا العكس كما يُعتقد ويُروّج له. فذلك من الكذب والبُهتان الأيديولوجي في نطاق سياسة لم يعد لها أي مشروعية في زمننا الحضار وقد تغيّر العالم وفرض النبذ العاجل لما عهدناه من مباديء سياسوية لا أخلاق فيها.

بمثل هذا التوجه يُمكن لبلادنا الحد من تغوّل المال الفاسد بها، وذلك لا برفض المال ورأس المال إذ هذا من الخور، بل بالمطالبة أن يكون للشعب وللبلاد فيه بعض النصيب. فهذا ما يفرضه العدل والقانون بل وأيضا مكارم الأخلاق وقد اشتد عطش الناس للروحانيات؛ ولا شك أن الأخلاق لب لبابها.

خطر الدين المشوّه المُتاجَر به :

لم يعد خافيا على أحد أن رأس المال المتوحش لم يلق منفذا إلى بلاد الإسلام إلا بالاستعانة بأهل التزمت ممن يدّعي التديّن وهو يتاجر دينه ويبيع سماحته بأبخس ثمن. لذا، عمل الغرب على رفع هؤلاء إلى سدة الحكم وقد ضمنوا له ما لم يحصل عليه من الأنظمة الديكتاتورية التي كانت رغم ذلم في ركابه، إلا أنها لم تسع كل السعي لإرضائه.

كذلك كان الحال مع النظام القائم بتونس الذي سعى رأس المال الغربي قبل ساسته  إلى إسقاطه باسم مطالب الشعب التونسي المشروعة في الحقوق والحريات، إذ كانت تلك التعلة التي استعملها كوتر حساس.

نعم، كانت طموحات بنات وأبناء تونس للحرية ومطالبهم بحقوقهم العماد إلى ذلك؛ وهي لا تزال فيه، نعاينها في حياتهم اليومية وفي كل المجالات المتعلقة بالكرامة، خاصة منها الحياة الخصوصية؛ إلا أن الغرب لم يعد يأبه بها إلا لماما بما أن الهدف المادي تحقق ونظرا لأنه يعتقد أن التزمت الديني هو الأفضل لرعاية مصالحه المادية وحفظها. وذلك الخطأ الفادح في بلادنا الآمنة الأمينة قبل هذا اليوم!

فلا أفضل للغرب من سلمية شعب تونس وتعلقه بحقوقه كاملة في العيش والتمتع بكل حرياته الشخصية؛ وهذا ما لا يتوافق مع عقلية الإسلام  المتزمت الدعيّ حتى وإن ادّعى الوسطية كذبا وبهتانا؛ إذ لا إسلام إلا ثوريا على كل ما تحجر في العقول ! فالإسلام الدعي لهو في مثل توحّش رأس المال الغربي الساعي إلى تقزيم البلاد إلى هيأة السوق، بل لعله أشد توحشا. ولا خير لا للبلاد ولا لرأس المال إذ الليبيرالية الحقة غير هذا.

لهذا، لا بد من العمل على التصدّي لمثل تلك الوحشية الثنائية، ولا يكون ذلك إلا باستنباط القوانين في المواضع الحساسة المسكوت عنها؛ فهي الوحيدة التي من شأنها تدعيم حريات الشعب وحقوقه، والقانون هو الأفضل ليحميه من كل الوحوش، إقتصادية كانت أم دينية.

بذلك، وبذلك فقط، يتم دحر النزعة الإسلاموية المتزمتة التي تسعى لاحتلال البلاد  بفهمها الكاذب الكذوب لديننا، لأن الإسلام ما كان يوما عدوّا للحريات، كل الحريات؛ فهو لا يخلط العقيدة بالسياسة، إذ يفصل كل الفصل بين الحياتين الخاصة والعامة. بل لعل هذا الفصل التام أكبر مما تقول به العلمانية؛ فالإسلام يقرّ بأن الحياة الخاصة هي المجال الوحيد للدين الذي لا مكان له في الحياة العامة، فهي مدنية كلها.

هذا مع التذكير بأن العلاقة في الإسلام بين العبد وخالقه مباشرة، لا دخل فيها لأي واسطة ولا سلطة وإلا خرجنا من الإسلام للدخول في اليهردية أو المسيحية. فبأي دين تدين تونس؟

الأولوية القصوى إذن في بلادنا اليوم هي في سن القوانين التي من شأنها تفعيل ما جاء به الدستور وإبطال كل تلك النصوص غير المشروعة التي تدّعي المرجعية الإسلامية وليس لها منها فتيلا، إذ كلها مشوّهة لدين القيمة. ولا شك أن يكون في هذا الإحياء المتأكد للدين وعلومه، بل وفنونه، حتى لا يستغله أعداؤه لفرض قراءة إسرائيلية لا تمت بصلة للإسلام الصحيح، السمح المتسامح ولو أنها نجحت في تشوييه فأنتجت داعش وفحشها.

وبما البلاد على أهبة قبول أبنائها الضالين العائدين من بؤر الفساد، فمن جملة ما يقتضيه التصرف الحكيم، سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا ودينيا في ذات الوقت، التذكير علنا وبصفة رسمية بثوابت الإسلام الصحيحة خاصة في انتهاء الجهاد الأصغر وانعدام المفهوم المغلوط للشهادة المتفشي فيه.

فالشهادة الإسلامية ليست إلا الإتيان بالخبر القاطع؛ وهذا يقتضي طبعا الحياة والحرص عليها لا الموت حتى يمكن إعطاء المثل الأسنى. ثم هل يقبض الروح غير الله؟ فلا مكان للجهاديين في الإسلام اليوم، لأن الجهاد الأصغر بمثابة الحرابة والإرهاب؛ كما لا مجال للاستشهاد بقتل النفس التي حرّم الله قتلها، وقد علم القاصي والداني أن الانتحار من المحرّمات في الإسلام.

لقد بُعث الرسول الأكرم مُتمّما لمكارم الأخلاق، وسنّته الصحيحة هذه هي التي يجب أن تُتّبع لا ما تم انتحاله منها على مر الأزمن، فكانت الأحاديث الملفقة. حري إذن بالمسلم أن يكون ذاك المؤمن الذي يسلم الناس من يده ولسانه لا من يدين للطاغوت الداعشي وصوحيباته !

…………………………………………………………………………………..

 * المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.