الرئيسية »  (23) ليس النقاب ولا الحجاب من الإسلام

 (23) ليس النقاب ولا الحجاب من الإسلام

الحجاب 1

يكتبها فرحات عثمان

بعد الحجاب أو الخمار، أصبح النقاب عادة عندنا شائعة، حتى أنه ليُخيل للناظر أننا في بلاد مسيحية؛ ذلك لأن الحجاب مما يفرضه الدين المسيحي لا الدين الإسلامي، تماما كما يفرض الدين اليهودي تغطية الرأس احتراما لله، وليس الحجاب ولا تغطية الرأس مما فرضهما الإسلام.  

لقد كثرت المغالطات اليوم لكثرة ما خالط الإسلام من إسرائيليات شوهت تعاليمه، إذ أولتها حسب ما شاع في المجتمعات العربية الإسلامية من عادات يهودية ومسيحية منذ بداية الإسلام وما كانت لا في القرآن ولا السنة النبوية الصحيحة كما نبينه.

هذا، كما أن الفقهاء، تأثّرا باليهودية والمسيحية، اختلقوا ذنبا لم يكن في الإسلام، ألا وهو ذنب العري، بينما لم يكن المسلم في أول الإسلام يستحي من التعرّية؛ وقد تم الحج الأول الإسلامي حسب العادة العربية القديمة مع حجيج، نسوة ورجالا كما ولدتهم أمهاتهم حول الكعبة دون أن يثير ذلك حفيظة أحد؛ فلا حياء في دين الإسلام !

أصل الحجاب والنقاب في الإسلام

إن الحجاب والنقاب الذان ينعتان بالإسلاميين ما كانا يوما من الفرائض الإسلامية؛ هما فقط من العادات الشعبية في بلاد الإسلام  كما كانت الحال في كل البلاد الواقعة على بحر المتوسط، بينما الحجاب فريضة دينية في الكتاب المقدس.

فلا ذكر في القرآن للخمار أوالحجاب والنقاب كما أصبحنا نعرفه، إنما تفشّت ظاهرتهما بالمجتمعات العربية ثم الإسلامية من خلال العادات الشرقية عند البعض من النساء في تغطية الرأس، بل الرجال أيضا؛ ولم يكن كذلك من باب الحياء ضرورة أو لوضاعة حال المرأة إزاء الرجل.

نعم، كان الحجاب موجودا في بلاد الإسلام، لكن لم يكن القاعدة بتاتا؛كما كانت لتغطية الرأس عند المرأة أسباب غير دينية، منها رغبة التميز عن الجواري مثلا. ومع ذلك، لم يكن معنى الخمار والحجاب في ديننا ما نعرف اليوم من أمر البرقع، إذ هو ما جا فيه كلام من الله فحسب، أي مجرد جزء من الثياب الخارجية الذي ترفعه المرأة لتغطية رأسها كما هي الحال مع      القلنسوة أو البرنس.

وضعية المرأة في الإسلام

كلّنا يعلم إلى أي مدى أعلى الإسلام من قيمة المرأة، فخصّها مثلا بجزء لا يتجزأ من الميراث بينما لم تكن تحصل على أي شيء في مجتمع رجولي لا حق به في المال إلا للذكر.

وقد كانت علاقة المرأة بالرجل متحررة جدا، كما تكلّم في ذلك الجاحظ في كتاب القيان حسب ما ورواه عنه جواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام : « فلم يكن بين رجال العرب ونسائها حجاب، ولا كانوا يرضون مع سقوط الحجاب بنظرة الفلتة ولا لحظة الخلسة، دون أن يجتمعوا على الحديث والمسامرة، ويزدوجوا في المناسمة والمثافنة، ويسمى المولع بذلك من الرجال الزير، المشتق من الزيارة. وكل ذلك بأعين الأولياء وحضور الأزواج، لا ينكرون ما ليس بمنكر إذا أمنوا المكر.»

ونقرأ للجاحظ أيضا في رسائله: « فلم يزل الرجال يتحدثون مع النساء، في الجاهلية والإسلام، حتى ضرب الحجاب على أزواج النبي صلي الله عليه وسلم خاصة… ثم كانت الشرائف من النساء يقعدن للرجال للحديث، ولم يكن النظر من بعضهم إلى بعض عارا في الجاهلية، ولا حراما في الإسلام ».

هذا، وقد بيّن جواد علي في تاريخه الضخم أن « التزمت والتشدد في وجوب ابتعاد الرجل عن المرأة وانفصالهما بعضهما عن بعض إنما نشأ في الإسلام بسبب تغير الظروف واختلاط العرب بالأعاجم وظهور حالات جعلت العوائل الكبيرة تحرص على حصر المرأة في بيتها. أما في البادية، فإن المرأة لا تزال تشارك الرجل في أعماله وتجالسه وتكلمه ولو كان غريبا عنها، لأن محيط البادية محيط بعيد عن مواطن الريبة والشبهات، وينشأ البنات والأولاد فيه سوية، ويلعبون سوية ويشبّون سوية، ولذلك لم تنشأ عندهم القيود والحدود التي تفصل بين المرأة والرجل. وقد كان حال المرأة الأعرابية على هذه الحال في الجاهلية.»

وضعية المرأة عند أهل الكتاب

أصبح الحجاب اليوم رمزا لانحطاط قيمة المرأة في الإسلام، بينما سبق أن قلنا أن الحقيقة الثابتة هي أن دين الإسلام أعلى من قيمة المرأة أي إعلاء في زمن لم تكن لها فيه أية قيمة.

ولئن أقر الدين الإسلامي فعلا وبصفة مبدئية أن الرجل قوام على المرأة، فلم يكن ذلك إلا أخذا بسنة المجتمع، إذ جاءت تعاليم الدين متناغمة مع تقاليده؛ ولم يكن هذا يختلف عما كان سائدا عند اليهود والنصارى، بما أن الكتاب المقدس يبيّن صراحة أيضا أن الرجل سيد العائلة وسيد المرأة التي عليها أن تخضع له.

هذا ما نجده مثلا في رسالة بولس      الرسول الأولى لتيموثاوس بالآيات 11 و12 من الفصل الثاني، حيث نقرأ ما يلي :

1      تيموثاوس 2. 11 : يَجِبُ أَنْ تَتَعَلَّمَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ سَاكِتَةٌ بِكُلِّ خُضُوعٍ.

1 تيموثاوس 2. 12 : أَنَا لا أَسْمَحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلا أَنْ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَسْكُتَ.

حقيقة الحجاب في الإسلام

نبيّن الآن حقيقة الحجاب أو الخمار والنقاب في الإسلام، وسنستعمل عبارة الحجاب للكل، أي هذا الغطاء للرأس الذي يجعل من المسلمة راهبة مسيحية . وسنستعرض في ما يلي كل الآيات التي تتحدث في الموضوع والتي اعتمدها الفقهاء في فهم تعاليم الإسلام. وكان ذلك حسب الكتاب المقدس نظرا لمتخيلهم الذي كان مشبعا بالإسرائيليات؛ بما أن حملة العلم في الإسلام كانوا في معظمهم من الموالي، كما بينه ابن خلدون.

تحدث القرآن في الحجاب بخصوص أزواج الرسول في الآية 53 من سورة الأحزاب وذلك في نطاق الحث على احترام حرمة بيت الرسول للعادة التي كانت متفشية بين الأعراب في دخول البيوت بدون استئذان ولا تحرج، حتى وإن كان عظيما القدر سامي الشأن. هي ذي الآية :

﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾

إنه من البيّن الواضح أن الحجاب المعني هنا هو ستارة لا غطاء رأس، وهو لا يتنزل في نطاق فريضة دينية، بل فقط من باب تصرف أخلاقي، إذ الآية لها مقصد تربوي لا شك فيه. ولا شك أن ما هو من باب الأدب في الفرقان من شأنه التطور والتغير حسب عادات البشر وطريقة عيشهم؛ فعلاوة على ما قلنا، ليس في هذه الآية أي صفة مقدسة لأن الحجاب لا يمس بالعقيدة.

أما الموضع الثاني للحجاب بالقرآن، فهو الآية 59 من نفس السورة وتخص أيضا أزواج النبي؛ إلا أن الكلام هنا أوسع وأشمل، من شأنه تجاوز نساء الرسول إلى كل النساء في شكل تأديب اجتماعي عمومي. هذه الآية :

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾

الأمر الإلاهي هنا له غاية واضحة تكوّن لب الآية ، ألا وهي أن ما اعتبر حجابا هدفه وغايته احترام المرأة وعدم الإخلال بالآداب اللازمة نحوها. هذا يعني طبعا أنه إذا انتفت فرضية انعدام الاحترام، انتفت ضرورة استعمال ما اعتبر حجابا، لأنه بانعدام السبب ينعدم المسبب؛ وهذا مما يُعرف في القواعد الشرعية، فلا حكم عند تلاشي السبب الذي جاء من أجله الحكم.

لنتكلم الآن في صفة ما عُد حجابا هنا ولا نراه بتاتا عند منقباتنا. فالآية تتحدث عن الجلباب، وهو ما يصل القدمين عادة، والذي يقع رفع جزءا منه لتغطية الرأس؛ إذن، هذا ليس قناعا على الوجه، بل هو أقرب إلى الوشاح أو شال الرأس. ثم، كما قلنا سابقا، يكون ذلك خاصة من باب التخلق بالآداب وليس بالفريضة الدينية والواجب العقدي.

يتعرّض الله أخيرا إلى موضوع الحجاب في الآية 31 من سورة النور:

﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

هذه الآية عامة، لا تخص أزواج النبي فحسب؛ ومنها استُخرج خطأ حكم الحجاب في الإسلام بينما لا مغزى فيه إلا اجتماعيا وتأديبيا كما نبينه، دون أي خصوصية شرعية عقدية.

لنذكر أولا أن أسباب نزول هذه الآية مرتبطة بنمط الحياة بالمدينة لما كان فيها من شديد الاختلاط بين الأجناس والمعتقدات، وبين النساء الأحرار والجواري؛ ومن بين الأخيرات، كانت جمهرة تتعاطى البغاء بأمر أسيادهن في أغلب الأحيان. لذلك غدت العادة بالمدينة أيام الرسول، شأنها في ذلك شأن ما كانت عليه يثرب قبل قدوم النبي، أن النساء الحرائر يحرصن على التميّز عن الجواري حتى لا يقع التحرش بهن؛ فكن يرتدين ما يغطيهن عن الأنظار.

ما كانت في هذه العادة أي أسباب دينية، بل فقط عادات شعبية وأسباب معقولة لتمييز طبقة عن طبقة باللباس؛ وهذا من المعتاد المعروف في كل الثقافات البشرية.

هذا كل ما نجده بالقرآن في الموضوع. أما في ما يخص السنة النبوية، وخلافا لما يقوله بعض الفقهاء اليوم، فليس هناك أي حديث صحيح في الحجاب، ويكفي الرجوع لصحيحي البخاري ومسلم للتأكد من الأمر؛ ونحن لا نعتد إلا بهما لكثرة المنحول في غيرهما.

كل هذا يؤكد ما قلناه آنفا أن الإسلام بريء من دعوى وجوب الحجاب أو الخمار في الإسلام، فما بالك بالبرقع !

إن التحجب والتبرقع من الإسرائيليات الراسبة في الإسلام؛ فالحجاب بلا أدنى شك من العادات اليهودية المسيحية كما نبينه الآن.

الحجاب فريضة يهودية ومسيحية

محجّبات المسلمين ومبرقعاته لسن يتّبعن الإسلام إذا اعتقدنا الأخذ بتعاليمه؛ فهن لا يعملن بتصرفهن هذا إلا بما ورد في الدينين اليهودي والمسيحي؛ فهلا حان الأوان لتفق نسوتنا من غفوتهن ومن يجبرهن على ذلك من ظلمهم لسماحة الإسلام والعودة جميعا لتعاليمه الصحيحة؟

إذا كان الحجاب في الدين الإسلامي من العادات والتقاليد الشعبية، لا صبغة دينية له،كما رأينا وبينا أعلاه، فهو خلاف ذلك باليهودية والمسيحية، إذ هو مما أمر به الكتاب المقدس كفريضة دينية واجبة على المرأة      في علاقتها بالله.

لنأخذ مثلا من العهد الجديد رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، فنحن نجد بها الأمر الشرعي بتغطية الرأس عند الصلاة (الآيات 11. 3 إلى 11. 15      من الفصل الحادي عشر)؛ وها نذكر منها الآتي :

3 :  وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ.

  1. 4 : كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ.
  2. 5 :وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ.
  3. 6 : إِذِ الْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ.
  4. 7 :   فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ.
  5. 8 : لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ.
  6. 9 :  وَلأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ.
  7. 10 :لِهذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ.
  8. 11 : غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ.
  9. 12 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ، هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ. وَلكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ.

هكذا نتبين أن الحجاب المسيحي بحق له صبغة دينية بخلاف ما يُعتبر جزافا حجابا إسلاميا، إذ هو عند النصارى من الواجبات للصلاة العمومية، وهو ما يغطّي الوجه كله كما نراه مع الراهبات المسيحيات. هذا يذكرنا بالعذراء مريم إذ هي بحجابها في كل ما لنا لها من صور.

وليس الحجاب في الكتاب المقدس خاصا فقط بالصلاة، إذ فرضه يتعدّى ذلك إلى الحياة اليومية بما أنه مما يُفرض على بنات الرجال الأحرار؛ ذلك لأن الحجاب ممنوع منعا باتا على العبيد وعلى البغايا. مع العلم أن مثل هذا المنع في ما يخص البغايا له أصول قديمة، إذ يعود إلى القوانين الأشورية، أي ما يقارب الألف سنة قبل المسيح. وهذا ولا شك من المخزون الثقافي العام الذي تتقاسمه كل بلدان البحر المتوسط أيا كانت ملتها.

ولا يقتصر فرض الحجاب على الكنسية في المسيحية بما أن الصلاة مستحبة في كل وقت، مما يفرض لبس الحجاب  في كل وقت لأدائها حسب الفرض الديني، كما يتضح ذلك مثلا بالآية 17 من الفصل 5 من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي، وهي الآتية :

1 تسالونيكي 5. 17 : صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ.

ونجد الحجاب مذكورا أيضا في سفر أشعيا (الفصل 47، الآية 2) وهو من العهد القديم ضمن أسفار الرسل :

أشعيا 47. 2 : خذي الرحى واطحني دقيقا. اكشفي نقابك شمّري الذيل. اكشفي الساق. اعبري الانهار.

وفي رسالة بولس الرسول الأولى لتيموثاوس (الفصل 2 الآية 9) وهي من العهد الجديد، نقرأ ما يلي :

1 تيموثاوس 2. 9 : وكذلك ان النساء يزيّنّ ذواتهنّ بلباس الحشمة مع ورع وتعقل لا بضفائر او ذهب او لآلىء او ملابس كثيرة الثمن.

ومن العهد الجديد أيضا، في رسالة بطرس الأولى (الفصل 3 الآية 3) نجد ما يتعلق خاصة بالحياء والتحفظ، أي ما يذكّر بتلك الأحادث غير الصحيحة المنسوبة للرسول:

1 بطرس 3. 3 : ولا تكن زينتكنّ الزينة الخارجية من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب

تماما كما في المسيحية، نجد في اليهودية المرأة متحجّبة أيضا حسب سبق أن رأيناه في سفر أشعيا، وما يتبيّن في سفر التكوين (الفصل 24 الآية 3)؛ وفيه نجد عند ذكر زواج يعقوب بابنة لابين أنه لم يطّلع على وجه زوجته إلا بعد ليلة الزفاف حسب العادة السامية لتلك الحقبة الزمنية (انظر الفصل 29 الآيات من 15 إلى 26 من سفر التكوين).

من الأمثلة اليهودية الأخرى، لنذكر أيضا المكابيون الثلاث (4. 6)، وهو من الأناجيل المختلقة، أو المشنة كتبات 72 أ-ب.

مجمل القول أن عادة التحجب في القرون الخالية كانت منتشرة بين النساء في الساحة العمومية؛ ولم يكن هذا يخص فقط العالم الشرقي أو الثقافة اليهودية، بل تواجد أيضا بالثقافة الإغريقية والرومانية. لذا، لا حجاب شرعي في الإسلام، بل في اليهودية.

الحق في النقاب يفرض الحق في التعرّي

النقاب اليوم أصبح كلباس كرنفالي؛ فكلنا يعرف عادة الكرنفال أو المهرجان وما فيها من قصف ومجون، وخاصة تنكّر ولباس فولكلوري. هكذا يجب النظر إلى النقاب الذي لا أصل له عند العرب وفي الإسلام إذ كانت المرأة حرة في لبسه أم لا، وكان لباسه عادة فقط للمحصنة من النساء أو النساء الأحرار  للتمّيز عن سائر النساء العاريات الرأس اللاتي كنّ غالبا من الجواري أو ممن كن عبيدا فتحررن.

حقا، أصبح النقاب ببلدنا مثل الموضة في أوج الجدال حول حرية ارتدائه. ولقد رأينا ممن فسدت نيته يتكلم عن حق النقاب والتنقب ساهيا عما يتمم هذا الحق ويجعله حقا بالمعنى الكامل، وهو الحرية المعاكسة، أي حق التعرّي.

فالتنقب هو أن يغطي المرء بدنه كاملا، وليس ذلك خاصا بالمرأة ما دامت المساواة هي أصل الدين بين المؤمن والمؤمنة. لهذا، رأينا العديد من السلفيين لا يترددون في التنقب لغاياتهم. وهذا الحق المشروع في بلاد تبتغي احترام الحريات الشخصية يفرض حتما الحرية في التعري؛ بذلك يكون الحق مكتملا والحرية منصفة والكلام بها وفيها نزيها لا من باب المغالطة.

طبعا، لمن لا يفقه دينه، له أن ينبري للقول أن الدين يمنع التعري وإنه إثم. وهذا، وإن كان صحيحا في اليهودية، فغير صحيح في الإسلام كما بيناه. لهذا يتوجّب، عند الدعوة لحق النقاب لمن ابتغى التنقب، الاعتراف بالحق التوأم الذي يكمّله وهو حق التعرّي، وإلا سقط الحق بأكمله.

وبما أن النقاب من رواسب الإسرائيليات في الدين الإسلامي الذي جاء في أصل الدعوة متناغما مع الروح العربية، وهي ما كانت يوما تستنكف من التعري، فلا مانع من التصدي له لا بالمنع ما دام الناس يطالبون بحريتهم في لباسه، بل بالدعوة للعودة لما ثبتت إسلاميته، أي حق التعري.

ذلك لأن التعري في الإسلام الحق ليس بتاتا من الفحش، ولا هو ذنبا أو مما يمنعه الدين القيم، ما دام ليس فيه أي استفزاز للغير، إذ لا حياء في الدين. وكما سبق أن قلنا، لقد رأينا الحج الأول في الإسلام بعد فتح مكة يتم حسب العادة العربية، أي أن الحجاج، نساء ورجالا، كانوا يؤدون الشعائر عراة، لا شيء يغطي عوراتهم في أقدس مكان عندهم.

أما منع هذه العادة فلم يتم إلا بداية من الحج الثاني وذلك بتأثير من الإسرائيليات وقد كان الأخذ بها عادة متفشية في المدينة وعند العديد من الصحابة؛ وهذا مما لا يخفى على أحد تفقه في علوم الدين.

ثم نحن إذا عدنا للمصنفات العديدة، سواء في الفقه أو الأدب، نتثبت بالدليل إلى أي حد وصلت الحرية بأهل الإسلام، بما فيها حق التعري؛ بما أن الفحش إسلاميا ليس في ظهور ابن آدم كما ولدته أمه، بما أنه على هذه الشاكلة يبعث أمام ربّه؛ إنما الفحش في ما يفعل العبد في حال التعري. هذا، وإن نحن قرأنا مثلا أخبار رحلة ابن بطوطة لعاينا بالأمثلة الحية مدى بلوغ حال المسلمين من التحرر من الثياب دون حياء في سائر بلاد الإسلام.

لا مناص إذن لمن يطالب اليوم بحق النقاب كعلامة من علامات الحرية الذاتية إلا القبول بما يتمم هذه الحرية الذاتية، وهو حق التعري الكامل، بما أن الإسلام دين المنطق والعقل، وهو أيضا دين الحريات، إذا لا تقديس لله إذا لم يكن عن حرية وطواعية من المسلم.

لا شيء إذن في الدين يمنع مثلا أن تكون بشواطئنا أمكنة مخصصة لمن يتعاطي التعري التام كحق له في التصرف في بدنه وكحرية خاصة مثل حرية التنقب. فالدعوة للتنقب تستلزم قبول الدعوة للتعري؛ وإلا لم نكن منطقيين ولا آخذين بكلمة العدل والسواء؛ أليس الإسلام إلا كلمة السواء!

ما كان التعري أبدا تصرفا مبتذلا ولا تهتكا للأخلاق ولا استهتارا بها في عادات العرب الصحيحة وفي الأخلاقية الإسلامية الأولى قبل أن يشوهها التزمت اليهودي المسيحي الذي تمثله اليوم الوهابية والإجرام الداعشي. لقد كانت المجتمعات حرة طليقة، لا تستعير من العري، كما نرى ذلك عند الإغريق والرومان، وكان هذا قبل استتاب الأمر لما يسمّى عند العرب بالإسرائيليات. ونحن نعلم شدة إعجاب العرب بالإغريق وعاداتهم السليمة.

لا ضير إذن في تونس، وهي تسعى للأخذ بالإسلام الصحيح، إسلام الصوفية المتسامح، من القبول بالنقاب، أي التغطي التام للجسم، وهو ليس من الإسلام، بشرط قبولنا في نفس الوقت بما هو من الإسلام، أي الحق في الحريات الشخصية كاملة غير منقوصة، بما فيها حق التعري التام الذي ما كان أبدا إثما في الدين القيّم.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.