الرئيسية » (15) القُبلة حلال في الإسلام

(15) القُبلة حلال في الإسلام

القُبلة

يكتبها فرحات عثمان

طالعتنا الأنباء أخيرا بأيقاف شاب وفتاة لمجرد تبادلهما قبلة بريئة، وهاهو القضاء سيودعهما بسبب القُبلة السجن وكأنهما اعتديا على غيرهما.

فأي ذنب اقترفا؟ أليس الإسلام دين المحبة؟ وكيف يقع سجن المحبين بينما يتم إخلاء المجرمين الإرهابيين؟

الإسلام دين المحبة

لقد تغنى العرب والمسلمون بالحب والعشق والقبل فأعلوا من مكانة هذا الإحساس النبيل أي إعلاء، حتى أن البعض منهم جعل القُبلة في مقام التوحيد أو هي أعلى. لنستمع في هذا للمتنبي يروي مغامراته مع عشيقاته في قصيدته التي مطلعها : كم قتيل كما قتلتُ شهيدِ :

يترشفن من فمي رشفات  |   هن فيه أحلى من التوحيد

كيف نتنكر هكذا لكل ما في أدبنا وتراثنا، والغزل من أغزر الأبواب الشعرية به، ولنا في عمر بن أبي ربيعة أفضل المحبين ؟ مع العلم أن  زعيم العشاق هذا كان يتغزل بالغواني في مكة نفسها حيث كان موسم الحج أفضل المناسبات له وللغانيات المسلمات لمغامرات الحب. فهل من مسلم إلا وهو صريع الغواني، عاشق يعيش بالحب وله؟ فالحب كل الحياة، إذ الله حب ودينه محبة!

هذا ما فهمه الفقهاء قبل أن يفسد الدين؛ أليس ذلك حال الإمام ابن حزم، صاحب المذهب الظاهري، الذي خصص للحب وللمحبين مؤلفا كاملا؟ ألم يتقمص الصوفية خير تقمص الحب، خاصة حب الله والفناء في عشقه؟ أليس منه حب العبد للعبد؟

فأين نحن من ديننا هذا وقد أمسينا نحرّم القُبلة ونعامل المحبيّن أتعس من معاملاتنا لمن يمسخ تعاليمه من أهل التزمت والدعدشة؟ ألسنا بذلك ندفع شبابنا دفعا لانتهاج سبل الإرهاب الذي هو بدون أدني شك النتيجة الوخيمة لانعدام الحب في القلوب؟

إن من يدّعى حقا الدفاع عن الإسلام بمنع القُبل فيه ليدوس أقدس ما فيه، ألا وهو احترام حرية الآخر الذي لم يأت بشيء مما يشين الدين، بل ما أتى منه إلا ما ميّز فيه مكارم الأخلاق من رفعة عواطف وإرهاف حواس.

الإسلام لا يدين بتاتا الحب وتجلياته بل يدين به، لأنه دين المحبة بلا منازع؛ فكيف تسمح السلط بتونس تتبع من ليس جرمه إلا مثل هذه المشاعر التي تزيد من المكارم وتزين الأخلاق أي زينة؟ فأي إفساد في القبلة، وما حرّم الإسلام الحب قط، أيا كانت مظاهره، بل حث على العاطفة ورقة الطباع ؟

ألم تتواتر الأخبار عن الرسول أنه لم يكن يمتنع بتاتا عن تقبيل زوجته، أم المؤمنين عائشة، وذلك حتى في رمضان؟ هل نحن أفضل من سيد الآنام، نمنع ما لم يمنعه؟ أين أخذنا بسنة الرسول الأكرم؟

ما بعد الحداثة، زمن الجماهير والأحاسيس

لقد بلغ السيل الزبى بأرض تونس الجميلة؛ فالإسلام بها يتدعدش يوما بعد يوم، ولا مجال لهذا أن يدوم ببلاد أخلاقها سمحة متسامحة؛ فحري بالإسلام فيها أن يكون سلاما، لا يداس كما نفعل اليوم بدون أن يستثير ذلك حفيظة كل مسلم حق غيور على دينه. فالتونسي مسلم محب، غيور على دينه، كما هو غيور على حريته في التصرف بكل حرية، بما في ذلك الحب والعشق والهيام؛ هذه من طباعه كما نذكّر بها لاحقا.

لنبيّن باديء ذي بدء أن  الحقبة الزمنية التي نعيشها، أي فترة ما بعد الحداثة، هي زمن الجماهير؛ ومن بين تجلياته سلطة الشارع المتزايدة يوما بعد يوم. بالطبع، ليس من الضروري أن تكون هذه السلطة ظاهرة الملامح، بادية للعيان حتى يثبت وجودها؛ فهلا نرى الهواء إلا في تجليات غير مباشرة؟ وهلا يهدر البركان فيلفظ حممه إلا بعد زمن طويل من الانفعالات الباطنية لا ينتبه إليها الإراضي الجيولوجي، العالم بالطبقات الأرضية؟

إننا اليوم بحاجة قصوى إلى الانتباه لما يقع بمجتمعنا الذي غدا كالبركان لانعدام الحقوق فيه والحريات الخصوصية؛ فإن استدامت الحال على ما هي عليه، لن يبطأ عن الثوران لخطورة ما ينفعل ويفتعل داخله.

إننا بتونس، وبكل البلاد العربية، بل في العالم أجمع، إزاء قدر ضاغطة لا بد لها من متنفس وإلا انفجرت عن قريب. وما من شك أن هذا المتنفس، خاصة بمجتعاتنا العربية الإسلامية، لا يكون إلا على مستوى الميدان الذي كثرت فيه العراقيل والكوابل لأجل حياة هادئة لا تشنج فيها ولا هستيرية؛ أي على صعيد العواطف، بل والجنس أيضا، بما أن الجنس هو الحياة أحببنا ذلك أم كرهناه؛ فالحياة في اللغة العربية هي الحيوان.

لهذا تتنزل دعوتنا، التي لا نفتأ ترديدها، لتحرير رقاب الناس من عبودية قوانين لاغية بارت وفسدت. من ذلك ضرورة الكف عن اضطهاد الشبيبة في عشقها لبعضها البعض وأخذها بأحلى ما فيها من فطرة، تلك التي تجعل الحب يربط بين القلوب.

لا محالة، لن ينتظر الشباب التونسي الإذن – وهو الذي يحمل مستقبل البلاد على عاتقه وحب الوطن بقلبه – من الساسة ومن تحجر قلبه ونسي أهمية الحب في الحياة، للعيش حسب ما يقضتيه الزمن الراهن، بل وأيضا طبيعته وسنه.

للشباب الحق  في العناق والقبل والجنس؛ فما معنى فترة الشباب إذا لم تعني الحق في التقبيل والحب؟ هذا خاصة وأن ذلك من الحق المضمون لهم شرعا ودينا.

إسلام ما بعد الحداثة التونسي

إن الإسلام ثورة مستدامة، وهو سماحة وطلاقة وجه رغم عبوسها اليوم، بما أن الابتسامة زالت ببلادنا عن الثغور في حين أنها خير ما يهديه المؤمن لأخيه الإنسان، مؤمنا كان أو غير مؤمن؛ إذ الإسلام سلام. فالبسمة والعاطفة، ومن ذلك القبل، لأهون الصدقة؛ بل لعل في ذلك أفضلها في زمننا العابس القمطرير الذي غزت فيه الكراهة القلوب!

فمن لا يترك المجال للحب إلى قلبه، ليس مسلما؛ ذلك لأن دينه يتجرد بمثل هذا التصرف حتى من العبادات الحقة التي هي، بدايةً، سكينة روحية تستقر بالنفس؛ ولا غرو أن تلك التي تحب ولا تعرف الكراهة لهي في أفضل سكينة!

إن النفس التي لا تحب وتظلم من يحب، ليست هي، في أحسن حال، إلا إنسانا آليا يأتي بحركات لا يفقه مغزاها. وما كان الإسلام يوما مجرّد تعاليم طاغوتية أُفرغت من معاني الحب والتسامح فغدت مجرد حركات وصفات ليس هدفها إلا المراءات والنفاق والمغالطة والإفساد في الأرض بظلم العباد.

والله أحكم الحكماء، لا تغرّه مظاهر التقوى الخادعة من أهل التزمت، هؤلاء الذين يمدّون أيديهم للإضرار بغيرهم عوض الابتسام لهم وطبع القبل على خدودهم وضمهم وعناقهم. هذا هو الإسلام،  والإسلام التونسي بصفة أخص الذي هو اليوم دين عصره، أي إسلام ما بعد الحداثة في إعطائه المشاعر حق قدرها والأحاسيس قيمتها.

لهذا، من المتحتّم على أهل الإسلام بتونس الدعوة للقبول بما في دينهم من حث على الأخذ بمشاعر  الحب النبيلة ومظاهرها البريئة؛ وهل هناك أنبل من الحب والقبل؟

ليدعو المسلمون إذن لحرية البوس والعناق في زمن الأحاسيس الفياضة ومشاعر الحب الدفاقة حتى يُعلوا الإسلام أي إعلاء! بذلك يذكّرون كل من شك فيه أنه سلامُ روح ونيّة ونقاوة ضمير ويد من كل ما من شأنه الاضرار، لا بالدين فقط، بل بالمؤمن وبأخيه أيا كان. ذلك لأن المسلم يقدّر الأخوة البشرية حق قدرها؛ فكيف لا يكون الحب دينه والعناق عقيدته؟

إن الإسلام معاملات قبل أن يكون عبادات؛ وهو ثقافة قبل أن يكون شعائر؛ ولعل أهم ما يحض عليه المؤمن لهو نقاوة النية وصفاء السريرة؛ وأي دليل أفضل على ذلك من قبلة أخوية على جبين الأخ والأخت في الإنسانية؟ أليست هي التقوى الصحيحية التي ترفع البعض وتحط من البعض عند الله، بما أنها أساسا هذا الخوف من تجاوز ما حرّمه ؟ فماذا حرّم ربّه غير شح النفس من المشاعر ونضوبها من الأحاسيس والعزوف عن تنميتهما؟

لا مراء أن الإسلام التونسي إسلام عربى لا أعرابي، أي ليست فيه عنجهية الأعراب وتزمتهم الذي ندّد بهما الله في محكم كتابه؛ وقد زاد التصوف الإسلام التونسي بهاء ورونقا. لهذا، يبقى الدين المتصوف بتونس أولا وقبل كل شيء قِبلة (بكسر الباء) كل من سعى حقا إلى تزكية نفسه والعودة بكل ذاته إلى الحق، وذلك بتسليم نفسه إلى الله، إذ هي حرة أبية لا تركع لأحد إلا لخالقها.

فلا مرجعية كنيسية في الإسلام الصحيح ولا ولاية لفقيه فيه، بل         العلاقة مباشرة بين العبد وخالقه؛       والعبد يحب ولا يكره، إذ الله كله محبّة، لا يظلم كما يظلم البشر أنفسهم وغيرهم، فدينه لهو القُبلة (بضم الباء) على خد المؤمنين.

القُبلة في الإسلام قِبلة المؤمن

إن ديننا بريء من كل تلك التصرفات الخرقاء التي تضر بسماحته وبتعاليمه القاضية بأن يحب المسلم إخوته في الإسلام، بل في البشرية، وأن يبين عن مشاعره النبيلة بكل طلاقة وحرية؛ لأنه ليس أفضل من قبلة لتبيان هذه المشاعر.

فكيف ندّعي تطبيق أحكام الإسلام التي تحبب الناس بعضهم بعضا ولا تنفّرهم منه؟ كيف ينسى من يدّعي الإسلام ما رُوي عن أبا ذر عن الرسول في حديث متفق عليه أن ما من عبد قال : لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة… حتى إن زنى وسرق… وقد أكدها مرارا بأن قال أن ذلك يكون على رغم أنف أبي ذر.

أليس الشباب المحب المتيّم من الموحدين بالله؟ فكيف يرضى الله عليهم ويدخلهم جنته منعّمين أحرارا ولا يرٍضى عليهم عباده فينددون ببراءة فيهم تحملهم على أفضل المعاشرة، ألا وهي الحب؟ لقد حان الأوان لأن نحترم ديننا كما يجب، فلا نجعل منه دين الكراهية والبغضاء، بل دين المحبة وقُبلة الإخاء والتسامح! فلنجعل من القِبلة الإسلامية قُُبلة المحبة لإخوتنا في البشرية!

إن القِِبلة في الإسلام هي تسليمٍ من العبد لربه؛ وقد دعاه ربّه لأن يسلم الناس من يده ولسانه. ولا شك أن أفضل وسيلة لذلك تكون في تبادل القُبل بين البشر؛ أليست تلك علامة الصداقة والمحبة؟ لنعد إذن إلى ديننا على حقيقته و لنترك كل ما داخله من تزمت غريب عنه، تسرب إليه من عادات نشأت وترعرعت مع أخلاقيات لم يكن يعرفها، دخلت إليه مع ما سمّي بالإسرائيليات في زمن نسي المسلمون فيه دينهم كما جاء به رسولهم، سمحا متسامحا، لا يحدّ من حرية المؤمن في علاقته المباشرة بربه، له وحده أن يقاضيه فيعاقب أو يعفو، والعفو أغلب لأنه الرحمان الرحيم.

فالإسلام يبقى  أولا وقبل كل شيء قِبلة كل من سعى حقا إلى تزكية نفسه والعودة بكل ذاته إلى الحق، وذلك بتسليم نفسه إلى الله، وهي حرة أبية لا تركع لأحد إلا لخالقها. والله كله محبّة، لا يظلم كما يظلم البشر أنفسهم وغيرهم، دينه قُبلة على خد المؤمنين.

إن الإسلام سلامُ روحٍ ونيّة ونقاوة ضميرٍ ويدٍ من كل ما من شأنه الاضرار، لا بالدين أولا، بل بالمؤمن نفسه وبأخيه، مؤمنا كان أو لم يكن؛ لأن الإنسان، أيا كان، يبقى لصيقا بالإنسان في الأخوة البشرية، أيا كانت عقيدته.

فهلا جعلنا من قِبلة الحب في ديننا وبلادنا القُبلة الإسلامية الحقيقية، وهي هذا التوجه التام المستدام إلى الله في كل حين وفي كل مكان. فأينما يتوجه المسلم بروحه وحبه الفياض يجد الله أمامه، إذ الله في كل مكان، وهو أمام المؤمن أينما ولى وجهه بكل حسن نية وصدق سريرة. وهذه من خاصيات المحبّة.

ليتعلّم الناس في تونس تقبيل بعضهم بعضا على الثغر كما يفعلون على الخد وذلك بدون خوف وبكل حرية، وليقولوا بكل فخر واعتزاز لمن تسوّل له نفسه منعهم باسم الدين : إننا نحن من دين الإسلام، دين الحرية والانعتاق من كل إستبداد! نحن في بلد الإسلام الذي هو قُبلة المؤمن وقِبلته لدين الحب اللامتناهي بلا حدود!

لنجعل القُبلة من حياتنا اليومية، لتكون في هذا الزمان الظالم المظلم قِبلة المسلم في الإسلام،     حتى يعود دين الرحمة لا النقمة؛ فالله رحمة وحب وسلام ! هذا ما فهمه أهل التصوف، وقد أتوا بأفضل قراءة للإسلام؛ وهذا دين تونس المسلمة لا إسلام الشرق البدائي البدوي الذي تهافت وغوى فهوى إلى سجين.

الإسلام التونسي في خطر

لا جرم، إن إسلامنا التونسي هذا، السمح المتسامح، في خطر شديد اليوم. والداهية التي تتهدده، طبعا، ليست في قبلة بريئة من شباب  محب أو جنس آمن أمين؛ هذا مما لا يغيب إلا على النوكى. إن الخطر كل الخطر في تصرفات الغوغاء والسلط المتزمتة والقوانين المخزية. فأي جرم مما يحرّمه الإسلام تقترف الشبيبة عندما تحب وتتعاطى ما جعله الله فيها من طبيعة جنسية ؟ ها اعتدت على أحد؟ إنها عشقت والعشق مباح في الإسلام، وتبادلت مشاعر المحبة، والإسلام حب وتنمية لمشاعر الحب. وكل هذا من الأخلاق الحميدة ومكارمها.

نعم، يتجرأ المتزمتون  على القول بأن ذلك حيوانية ومرض؛ فمتى كانت القبلة حيوانية أو مرضا؟ إن التصرف المناهض للحب لهو الضرب الحقيقي عرض الحائط بالقيم والمباديء الإسلامية؛ والجريمة الشنعاء هي في تتبع المحبين الأبرياء  باسم قانون غابي لا يُرضي إلا عصبة قليلة ممن يريد نشر الشر في البلاد لأنها لم تعد تعرف الحب وما في ديننا السمح من محبّة.

لذلك ديننا اليوم بتونس في حداد وقد تلاعبت به الأهواء وطمس بريقه الأعداء من الداخل قبل الخارج. لكن لا يجب أن يكون ذلك حدادا نهائيا على الدين ولا على الإسلام التنويري الحق، طالما فينا من الحياة رمق. إن كل حداد حقيقي لهو الفرصة السانحة للتذكر والاتعاظ؛ وليست صروف الدهر إلا لإصلاح ما انخرم بأنفسنا وفسد في طباعنا.

لقد آن الوقت لأرض الإسلام بتونس أن تستيقظ للأفضل! أقول ذلك خاصة لنخبتها المفكرة، السياسية منها أساسا، وبالأخص تلك التي تتشبت بماض ليس فيه إلا الغفوة عن الواقع أو حاضر انعدمت منه كل حسنة، إلا عربدة زعار حُرموا من الحب، فانفجرت فيهم نزعة الهدم بعد أن فشلوا في بناء أنفسهم القاحلة من مشاعر المحبة.

إن الأفضل اليوم ببلادنا الجميلة هو أن نجعل بحق من حلم شعبها الحالي، هذا الشعب الكادح الفقير، واقعا ملموسا كل يوم، فتكون ثورته الوطنية، وقد جاءت ربيعا بلا منازع، ثورة إسلامية عالمية تحيي ما تحنّط في عالم اليوم الذي هو أشبه بالمومياء في هيأته المتحجرة.

لا شك أن الغيوم تعدّدت ببلادنا – رغم أن ثورتها مستدامة كدينها – فعبست بها الوجوه، وزال الحب من القلوب. لكن المسلم المحنك لا يخاف بنات الدهر، بل هو يسرّ لاشتداد الأزمة، أيا كانت طبيعتها، فيقول لها بكل رباطة جأش : اشتدي أزمتي تنفرجي!

لا مراء أن المسلم الحق بالبلاد التونسية لهو كذلك أيضا، لا يشك في دينه برباطة جأشه، إذ لا يهاب هجمات الأعداء على سماحة هذا الدين، ولا طعنات المنافقين داخله وعملهم الدؤوب على طمس نوره وتزييف روحه. فالإسلام حق، والحق يعلو ولا يُعلى عليه، حتى وإن كان ذلك بعد حين.

إن من أفضل السلاح لمجابهة الخطر المحدق بالإسلام القِبلة الإسلامية في بلدنا، وهي قُبلة الحب التي يطبعها كل ابن بار لتونسنا، أرض التسامح، على خد ابنتها، بل وعلى خد كل البشر، بما أن الإسلام دين البشرية جمعاء، يحب فيه المسلم ولا يكره، يسامح ويتسامح. فالله رحمان رحيم ودينه رسالة حب !

إن قِبلة الحب بتونسنا اليوم، تونس ما بعد الحداثة، هي حب القُبلة الإسلامية الحقيقية التي تبقى ذاك التوجه التام المستدام  إلى الله في كل حين وفي كل مكان. فأينما يتوجه المسلم بروحه وحبه الفياض يجد الله أمامه، وهو الحب، كل الحب،  وهو في كل مكان؛ فالحب إذن  أمام المؤمن أينما ولّى وجهه بكل حسن نية وصدق سريرة.

فلتكن قِبلة الحب، قُبلة الإسلام التونسي للبشرية، كل البشرية، بما فيها التي أخطأت في حق نفسها فأذنبت؛ إذ هي تعلم أن الإسلام بقِبلة الحب فيه يبقى قُبلة كل مذنب يزكّي في رحابه الواسعة نفسه بتعاليمه السمحة وغفران االله لكل الذنوب، وهو بلا حدود وبلا تحديد زمني.

التونسي، المتيّم حبّا ربّانيا             

إنه من الخطأ الفادح القول بأن الشعب التونسي، نظرا لصمته، يستحسن تلك التصرفات الخرقاء التي يأتي بها البعض منه ضد الحب أو هي من فعل سلطه أو ممن يسعى من الساسة لفرض قراءة متزمتة للدين، هذه التي تمهّد لدخول داعش إلى بلدنا.

إن الشعب التونسي في غالبيته متسامح، يقرّ بحرية الفرد في حياته الخاصة ولا يجرّم بتاتا لا الحب ولا العاطفة قي كل تجلياتهما، إذ هو ينأى كل النأي عن التزمت وليس بالمهلوس جنسيا في حياته اليومية عندما تغيب عن أنظار السلط. فذلك الهوس وهذا التزمت لا يوجد إلا في قلة منه لا تعرف معنى الحياة الجماعية ولا تفقه كنه دينها الذي بيّن التصوف حقيقته.

إن أغلبية الشعب التونسي تقدّر الحب ومظاهره أي تقدير، وهي التي تمثل حقيقة الشعب بأكمله؛ إلا أنها ساكتة. ذلك لأن الأقلية تفسد في الأرض بما لها من نفوذ وتسلط، إضافة للقمع الرسمي بقانون متجبر لا أخلاق فيه، إذ هو كله القمع والرهبة والنقمة.

والتونسي شاعر فنان، مرهف الحس، صريع الغواني والأعين النجل؛ إنه متّيم حبّا ربّانيا، منه يغترف في عاطفته التي تهزه نحو أخيه وأخته التونسية. لذا، تتبّع الشباب التونسي قضائيا لأجل قبلة بريئة هي الظلم الصارخ لكل شباب تونس في أخذه بالإسلام الصحيح؛ وتلك بحق فضيحة للإسلام ولتعاليمه الإناسية.

إن الحب في جينيات التونسي، يعيش به وله، لأنه يعشق الحياة ولا يعرف لها طعما إلا بالحب. هذا هو التونسي، المسلم الصحيح والمؤمن الحر، الذي له أن يقول بكل فخر واعتزاز : أنا من إسلام تونس الثورة، الإسلام الثوري المستدام على كل إستبداد! أنا من الإسلام الروحاني، قُبلة الشعب وقِبلته لدين الحب اللامتناهي بلا حدود!

لهذا، لا يجب أن يغيب عن ذهن كل وطني غيور على بلده أن الحب لا يد إن ينتصر بتونس رغم كيد الرافضين له والمتزمتين في فهم دينهم، دين الحب والمحبة. فلئن ضيّع اليوم الساسة معنى الإسلام ومعنى الحب، فداسوا مجد التونسي وهو في كنهه هذه العاشق المتيّم حبا، سترد حتما الحياة والمقادير عما قريب وشاحه، قبلة الحب على ثغر الحبيب.

هذه تونس الجميلة، تونس الحب والمحبة، تونس الإسلامية حقا وحقيقة.  وهذا هو الإسلام  اليوم، سيحيا من جديد بالخضراء كثقافة حب وسلام ! لذا، لشباب تونس المسلمة اليوم أن يحب ويقبّل ويعانق علانية بكل فخر واعتزاز بروحانياته السليمة المسالمة، لأنه مسلم حر، عقيدته في نفسه أولا حرة أبية، يحب ولا يكره، يسامح ويتسامح ولا يفسد في الأرض، بالحب الذي فيه الحياة والإحياء.

و في الختام، لنصيخ السمع لشاعر تونس الجميلة وهو يتغنى بحبه لها:

أنا يـا تونـس الجميلـة فـي لـج | الـهـوى قــد سبـحـت أي سبـاحـه

شرعتـي حبّـكِ العميـق وإنّــي | قـــد تـذوّقــت مـــره و قـراحــه

لسـت أنصـاع للّواحـي ولـو مــ |تّ وقامت علـى شبابـي المناحـه

لا ابـالـي..

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.