الرئيسية » مؤتمر النهضة: هل هو استدامة التدجيل والمداهنة ؟  

مؤتمر النهضة: هل هو استدامة التدجيل والمداهنة ؟  

مؤتمر النهضة العاشر

بقلم فرحات عثمان

 إن ما يحدث اليوم بتونس ليس في إمكان أحد أن يدّعي تسييره أو التنبأ بمصيره؛ فهل المقادير بغير يد الله؟ ثم أليست الأمور بخواتيمها كما يقول المثل العربي؟

كذب إذن من يعتقد التكهن بمصير البلد، أو القول بأن تونس تأسلمت على الشاكلة الداعشية أو الوهابية. خاصة وأن هذا القول الأخير من الخور لأن تونس إسلامية، بينما ليست هاتان الفاحشتان  من الإسلام في شيء، فليس فيهما إلا الرسرائيليات البغيضة التي رسبت في الإسلام في عهود انحطاطه.

الإسلام التونسي الأصيل :

إن الإسلام الأصلي الأصيل لهو التصوف، إسلام أهل الصفة، وهذا هو الأقرب إلى الإسلام الشعبي الذي بقي دفينا في أفئدة الناس ولو أننا لا نرى في شوارعنا إلا القليل النادر منه نظرا لتفشي الإسلام الكذوب الذي يتاجر به الناس اليوم لمصالهم الذاتية والحزبية.

فهذا الحزب الإسلامي الحاكم الذي يدّعي تمثيل الإسلام الصحيح، لم يكن هدفه إلى اليوم إلا أسلمة البلاد على مقاسه الإسرائيلي، مقاس الليبيرالية الهوجاء والرأسمالية المتوحشة.

وما يؤكد أن هدف هذا الحزب ليس حقا خدمة الشعب أننا رأينا كيف يبذّر الأموال الجمة في التفاهات كغيره عوض صرفها على المحتاجين وذوي الفاقة وقد استفحل عددهم منذ صعوده للحكم. ألم يكن من الأحرى أن يستعملها في ما ينفع الناس عوض تبديدها في ما يفسدهم؟

نعم، يقولون أن الحياة السياسية تقتضي هذا وأن المؤتمر العاشر للحزب رغم هناته فيه الخير للبلاد، فأي خير، يا ترى؟

واجب السياسة الأخلاقية :

يقولون أن المؤتمر جاء بالفصل بين الدعوي والسياسي؛ فمتى كان الدين يخالط السياسة في اللإسلام؟ ألم تكرّس الحنيفية المسلمة التفريق الصريح الواضح بين الحياة الخاصة التي هي للدين الخالص في علاقة مباشرة بين الله وعبده والحياة العامة، أي السياسة بمعناها الأصيل، والتي لا دخل للدين فيها بتاتا؟

أليس هذا هو المفهوم الصحيح للإسلام الذي كان بهذا لائكيا قبل اللائكية الغربية؟ وأليس هذا في نفس الوقت هو المفهوم الأصلي لسياسة هي أخلاقية أو لا تكون؟

ثم هبنا  قبلنا بما يروة له ساسة هذا الحزب الذين مردوا على الكذب وصدقناهم في دعواهم أنهم طلّقوا النفاق والبهتان؛ فليبرهنوا على ذلك بالفعل وليكفوا عن كلام الزور !

فها نحن نسمع البعض من الوجوه البارزة في الحزب تؤكد على تمسكه بمرجعيته الدينية، لا المرجعية الإسلامية التونسية أي الإسلام السمح المتسامح، الذي هو كله حريات، بل مرجعية التزمت والتدعدش*

وها هي الصحف تطالعنا بتصريحات من قادة فاعلين في الحزب تنفي أن يكون الفصل بين الدعوي والسياسي خيارا استراتيجيا، بل هي تكتيكا في نطاق مراجعات ظرفية فرضها الواقع التونسي والضغط الخارجي. أين الأخلاق في مثل هذا الكلام ؟

ضرورة إثبات التغيير بالفعل

لنقرأ ما يقوله القيادي البارز العجمي الو ريمي في آخر يوم من أيام المؤتمر لصحيفة الشروق :

«إن الفصل بين الدعوي والسياسي ليس خيارا استراتيجيا وإنما هو خيار ظرفي تكتيكي في محاولة لتمييز الحركة في منطقة مني فيها الإسلام السياسي بانتكاسات و من أجل استقطاب مناصرين خلال الانتخابات البلدية والرئاسية القادمة».

هكذا إذن، وبكل صراحة، هي مناورة جديدة في مؤتمر كان للدجل والنفاق لا لتزكية النفوس! ما هذه السياسة التي لا تليق ببلد إسلامي يتعلق شعبه بمكارم الأخلاق التي تقتضي النزاهة والصدق والفعل أولا وقبل كل شيء؟

ولمن لا يشكك في عدم تحول الحزب حقيقة إلى ما يقتضيه الواقع التونسي من تعلق بدين هو أساسا ثقافة قبل أن يكون شعائر، ليتمعّن في كلام السيد الوريمي الذي، حسب ما جاء في الصحيفة «لم يتردد في الاعراب عن  تخوف أبناء حركة النهضة من تحول الحركة إلى حزب علماني لائكي لا يمتلك خصوصية تفرده عن باقي الأحزاب السياسية الأخرى وتفقده مرجعيته وشعبيته ليصبح قائما فقط على الخطابات الفاقدة للروح الدينية ويعتمد على التحاليل المرتكزة على المقاربات التقنية والدراسات المعمقة، حسب ما جاء على لسانه.»

إذن، لم يتغير حزب النهضة وليس هو يكف عن المناورة! لكن، حتي لا نظلم النهضة إذا كانت عزمت حقا التغيير وصعب عليها الإفصاح عنه بعد، لنأخذ العبارة التالية من كلام هذا القيادي ومن فعاليات المؤتمر مأخذ الجد وذل كمن باب الموضوعية لا غير. فصاحبنا يقول ، حسب ما ورد في الصحيفة : « إن الحركة ستسعى تدريجيا إلى تطوير المفاهيم التقليدية »

لذلك، انطلاقا من هذه الكلام، نقول للنهضة : فليفعل الحزب ذلك حقا بداية من اليوم وليسعى لتمرير مشروع القانون الحالي القاضي بالمساواة في الإرث، ثم ليسعى لتغيير مشروع القانون الحكومي في ميدان المخدرات بالجرأة على الكف عن تجريم استعمال القنب الهندي الذي ثبت علميا أنه أقل ضررا من التدخين.

بل ولتتبنى أيضا مشروع القانون المعروض على مكتب المبادرات التشريعية للنهضة بمجلس النواب والقاضي بإبطال الفصل 230 جنائي، إذ بذلك لا يحنف الرئيس الجديد القديم للنهضة وعده بإبطال هذا القانون المخزي المناهض للدستور وللإسلام !

ثم، هوذا رمضان على الأبواب ! فليكن هذا الشهر الفضيل الفرصة السانحة لإثبات صدق التحول الذي تدعيه النهضة، وذلك بأن تسعى صادقة إلى إلغاء كل القواين المحدّة للحريات الخصوصية، حتى يكون الشهر الكريم من جديد شهر العبادة الحقة التي ليست هي إلا في حرية الصيام وعدم فرضه بالقوة وفي الابتعاد عن التظاهر الكاذب. فكيف يميز الله بين المؤمن الصادق السريرة والمؤمن المخادع، الفاسد النية، إذا انعدمت الحرية، لا في الصوم فقط، بل وفي التجارة الحرة الذي ضنها الله، وذلك حتي بالكحول، إذ لم يحرّم الإسلام تعاطي الخمرة ولا تجارتها، بل فقط الغلو في شربها إلى حد السكر، وخاصة عند القيام للصلاة.

هذا هو الإسلام الصحيح الذي على النهضة، إذا صدقت النية عند قيادتها، العمل من الآن على تكريسها بهذه البلاد التي ما تنكرت يوما لذاتيتها الإسلامية، إنما نبذت كل غلو في الأخذ بتعاليم الإسلام وكل تدجيل. فذلك أدّى ويؤدّي بنا إلى حد مسخ تعاليمه دين إناسي، كما نراه عند أهل داعش وعند الوهابية؛ وحتما، لا مكان لمثل هذه الجاهلية الجديدة بتونس الإسلامية !  بهذا وبهذا فقط لا يكون المؤتمر العاشر للنهضة مؤتمر التدجل والخداع والتجارة بالدين؛ ولبئس التلاعب بدين القيّمة !

 

* العجمي الوريمي: الفصل بين الدعوي والسياسي تم في إطار مراجعات فرضها الواقع التونسي

 

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.