الرئيسية » التونسيون يؤيدون الفصل بين الدين و السياسة

التونسيون يؤيدون الفصل بين الدين و السياسة

المسجد

ماذا جاء في استبيان الرأي لمؤسسة سيغما كونساي حول نظرة التونسيين للعلاقة بين الدين والسياسة وكيف تتراءى المواقف في هذا الموضوع في تونس؟

تظل مؤسسة “سيغما كونساي” تجري وراء  الاستبيانات و استطلاعات الراي وذلك من طبيعة مهامها وعملها اليومي بحثا عن الافادة من خلال المعلومات الاحصائية التي تقدمها للراي العام عموما و للمؤسسات الاعلامية و كذلك لاصحاب القرارالذين يستانسون بها في تحديد الخيارات و ضبط القرارات.

و ليس غريبا ان تهتم هذه المؤسسة في هذا الظرف بالذات بموضوع حساس يشمل علاقة المواطن بالدين و بالشعائر الدينية في ظل ما تشهده المجتمعات على الصعيدين المحلي والاقليمي و حتى على المستوى العالمي من تنامي ظاهرة الارهاب المنسوب للاسلام بناء على ما يرفعه الارهابيون من شعارات تنادي بوحدانية الله و بالدعوة العنيفة الى تطبيق الشريعة الاسلامية وفق تصورات من يجندونهم للغرض.

هذا الموضوع اثث الاستبيان الذي اعدته “سيغما كونساي” بالتعاون مع مؤسسة “كونراد اديناور” و “المرصد العربي للديانات و الحريات” وذلك من خلال عينة تضم 1000 شخص عن كل بلد من البلدان المغاربية الخمسة و هي تونس و الجزائر و المغرب وليبيا ومصر و استند الى مجموعة من الاسئلة تعلقت بمواضيع الانتماء الديني بالخصوص و بالمواضبة على اداء الفرائض الدينية و خاصة الصلاة و بالحجاب و النقاب و بالتفريق بين الدين و السياسة و التطرف الديني و اسبابه.

و لعل ما يسترعي الانتباه في هذه الاسئلة و ما حصدته من اجوبة مختلفة و متباينة من بلد الى اخر  هو ان الاجابة عن السؤال المتعلق بالفضل بيت الدين والسياسة وضعت تونس في موضع مختلف تمام الاختلاف عن بقية البلدان اذ عبر المستجوبون من تونس بنسبة 73 بالمائة عن تاييدهم لمبدا الفصل بين الدين و السياسة مقابل معدل 50 بالمائة في بقية البلدان كما عبروا بنسبة 70 بالمائة عن معارضتهم ان تكون الشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي لسن القوانين في حين نجد المؤيدين للفكرة بنسبة 79 بالمائة في ليبيا و 63 في الجزائر و 60 في مصر و 50 بالمائة في المغرب.

و المتمعن في هذه النتائج يدرك مدى تعلق التونسيين بالنهج العلماني و رفضهم للنظام  التيوقراطي الذي افرز فشله في تسيير شؤون البلاد منذ سنة 2012 و الدليل على ذلك ان التيار الاسلامي- بفروعه الجهادية و العلمية – لم يقدر على كسب التاييد الشعبي من خلال هذا الاستبيان  على الرغم من هامش الحرية الكبير الذي توفرله  منذ ذلك التاريخ اذ اظهر المستجوبون تمسكهم بنمط التدين المعتدل و رفضهم للاشكال الجديدة التي لم ينجح الاسلام السياسي في فرضها عليهم مثل الحجاب و النقاب تضف الى ذلك انهم لا يرون وقعا ايجابيا للاسلام في الحياة السياسية فنسبة 17 بالمائة فقط ترى ان الوقع ايجابي في حين ان نسبة 58 بالمائة يقولون انه سلبي.

معنى هذا ان التونسيين يرفضون الرفض الكامل للنمط المجتمعي الذي ارادت ان تروج له – وما تزال- حركة النهضة منذ ان اعتلت كرسي الحكم و حاولت بكل الوسائل تركيز انصارها و مؤيديها في المواقع الحساسة داخل اجهزة الدولة.

و الاعتقاد صار راسخا لدى الجميع بان الاسلام السياسي لم يقدر على تحقيق و لو النزر القليل من الشعارات التي قامت من اجلها انتفاضة 2011 فلا الاقتصاد انتعش ولا التشغيل حلت عقدته و لا القضايا الاجتماعية المتعددة و المتنوعة خف حملها بل بالعكس انساقت البلاد الى متاهات الفوضى و الغموض و انغمست في انفاق مظلمة لا تتراءى فتحاتها طالما ان عجلة الاقتصاد لم تسترجع دورانها الطبيعي وان الفساد الذي اصبح مستشريا اكثر من ذي قبل  لم يكبح جماحه و ان الارهاب الذي بات واقعا فتاكا يحصد الابرياء من ابنائنا في عز شبابهم  لم يقض عليه و ان التجاذبات السياسية العقيمة مازالت هي المسيطرة على الحياة اليومية للمواطن الذي فقد كل الثقة في الاحزاب وما يدور في فلكها الى درجة ان تحمسه للعملية الانتخابية ظل فاترا و الى حد التفكير في مقاطعتها مستقبلا  .

مثل هذه الاوضاع تدعو الى وقفة تامل حقيقية و ناجعة للنظر مليا في حاضر البلاد وما ينتظرها في قادم الايام و الاشهر و الاعوام سيما و ان الحكام و الساسة الساهرين على حظوظها استسهلوا لعبة الاقتراض الاجنبي فاغرقوها ديونا فرضت علينا النبش في الماضي لاستحضار الملابسات الاقتصادية بالخصوص التي حفت بانتصاب الحماية الفرنسية على ارض الوطن في نهايات القرن التاسع عشر.

هكذا بات التخوف وعدم الاطمئنان يهز المشاعرويؤرق النفوس عسى ان يستفيق اهل الذكر من غفوتهم و يدركوا ان نظام الحكم الذي حبر في دستور 2014 ليس هو الاصلح لشعب لم يكن البتة قي خلاف مع دينه يؤمن بالله و بالرسول الاعظم صلوات الله وسلامه عليه شعب سمته الاعتدال و التفتح و الحداثة بعيدا عن كل اشكال التطرف و التعصب و الانغلاق شعب يحب الحياة و يعشق العلم منهجا للتقدم و التالق و تحقيق فرحة الحياة.

                                                     وجدي مساعد 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.