الرئيسية » حول البغاء في الإسلام

حول البغاء في الإسلام

البغاء في الاسلام

بقلم : فرحات عثمان

 لا يزال النقاش حول موضوع البغاء في الإسلام محتدا في تونس بين محمد الطالبي الذي يرى حليته ومن عارضه، ومنهم الأستاذة نائلة السليني التي ردت في مقالة مطولة على تصريحاته*

وإن لم أكن ممن يوافق الأستاذ الطالبي في كل ما يقول، فلقد عجبت من رد الأستاذة كيف ترى عدم حلية البغاء في الإسلام وهي التي تؤكد في ردها على ما أوافقها فيه تماما أي أن « التعامل مع النصّ القرآني ليس لعب النرد حتى ندخل اللعبة من غير أن نتحلّى بآليات في مقاربته، وهو مزلق خطير إذا لم نكن واثقين من المقاربات التي نتقيّد بها وقد تصل بنا إلى مثل هذا التعسّف على النصّ.»

فإذا انطلقنا من هذه الحقيقة التي لا مراء فيها، وجب على الأستاذة السليني عدم التجني بنفسها على النص القرآني؛ ذلك لأنها أتته بما ورد في ردها على طرح الأستاذ الطالبي من إنكار للأخذ بنزعة القرآن الثابتة في احترام حرية المؤمن في علاقته المباشرة دون واسطة مع الله.

قاعدة االحلية في الفقه الإسلام :

إن الأكيد المؤكد في الفقه الإسلامي هو أن التحريم لا يكون إلا بحكم، فإذا انعدم الحكم، انعدم التحريم؛ ولا تحريم في قضية البغاء، فكيف تقول به الأستاذة السليني ؟

فالقرآن، تماما كما حثّ على إبطال العبودية رغم أنه لم يحرّمها، وقد بينت ذلك الأستاذة، لم يحرّم البغاء لكنه حث على عدم الإكراه، وبالتالي أحله في صورة تعاطيه بحرية، دون إجبار أو إكراه.

فإن لم يحلل الإسلام البغاء بصريح العبارة، فهو لم يحرمه أيضا؛ ولا شك أن الحلية تبقى الأساس والتحريم الاستثناء، فمن أين أتت الأستاذة إذن بالتحريم ؟

تحريم البغاء اجتهاد فقهي :

التحريم للبغاء في فقهنا الحالي ليس إلا من التأويل الذي فرض نفسه عبر التاريخ؛  فهو اجتهاد الفقهاء الذين تأثروا بالعقلية اليهودية والمسيحية التي كانت عند معظمهم، بما أن أغلب حملة العلم في الإسلام كانو من الموالي، كما بيّن ذلك ابن خلدون؛ لذا،  بديهي أن متخيلهم كان مفعما بما عُرف في الحضارة الإسلامية بالإسرائيليات.

لهذا، إذا ثورنا القرآن حق تثويره حسب القواعد التي بينتها الأستاذة بنفسها، لا يمكننا إلا القول بأن القرآن لم يمنع البغاء بما أنه لم يحرمه، إنما حرمه الفقهاء تأثرا بالإسرائيليات التي رسبت في ديننا فشوهته.

نعم، لا يمكننا بداهة القول أن الإسلام حلل البغاء بصريح العبارة؛ إنما هذا وارد إذا اعتبرنا أن ما لم يُمنع فهو حلال وإن كان مذموما؛ هذا ما يفرضه الفقه في تجلياته المعروفة. وما من شك أن مقاصد الشريعة لا تنقض ذلك إذ من التدرج في الإسلام أيضا، وقد بينته الأستاذة في موضوع الرق، تعميم الحرية المسموح بها لغير المحصنات في زمن كان فيه الحق للفتيات في البغاء، فكيف لا نقبل بهذا الحق لغير الأمة وقد تساوت النساء كلهن؟

هل نفرز اليوم امرأة من امرأة لنقبل بالحرية لواحدة ولا للأخرى؟ لا أعتقد هذا في فكر الأستاذة السليني وهي التي تختم ردها بالدفاع عن المرأة وحقوقها؛ مع العلم أن الإسلام جاء معليا لقيمتها. هذا، ولعله من المفيد الإشارة هنا أن نفس الحال من تجنى الفقهاء على النص القرآني كان في الخمرة إذ لم يأت فيها القرآن ولا السنة الصحيحة بالمنع، لأن المنع لم يخص إلا السكر، خاصة عند إقام الصلاة.

فوائد حول البغاء :

لعله من المفيد الإشارة إلى أن موضوع الإحصان يقتضي بيان الملحوظة التالية وهي أن التعبير، وإن هو مُستعمل بالسواء للمرأة المتزوجة والمرأة العفيفة، يشير للعفيفة إذا قلنا محصنة بفتح الصاد أو كسرها؛ أما إذا استعملنا الحرف بفتح الصاد، فلا يهم الإحصان عندها إلا المرأة المتزوجة كما هو الحال في الآية 24 من سورة النساء.

فالحصانة وإن تطلق على معان، هي العفة (مثال الآية 23 من سورة النور) والزواج ( 24 من سورة النساء) والحرية (الاية 25 من سورة النساء)، فهي أعم من العفة.

ولا شك أيضا أنه من المفيد التذكير أن البغاء، لغة، هو وصف مختص بالمرأة ولا يقال للرجل، فهو إذن زنى المرأة لا الرجل، كان ذلك منها عن إكراه أو غير إكراه. الفرق مع الزنى إذن هو أن هذا الأخير يأتيه الرجل أو المرأة على حد السواء.

 

* نائلة السليني تردّ على تصريحات محمدالطالبي وتفسر مفهوم البغاء في القرآن

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.