سياسة : أيّ جدوى من الجامعة العربية وقممها؟

انعقدت تحت مظلة الجامعة العربية وعلى مدى أكثر من سبعة عقود 30 قمة، وتستعد الجزائر لعقد القمة الجارية. النظام العربي لا يتابع قراراته التي يتم اتخاذها ولا يهتم بتنفيذها ولا يحترمها، وهذه الحال أصبحت معروفة بالنسبة لجميع الدول الإقليمية والعالمية وخاصة الشعوب. سؤال يتجدّد طرحه في هذا السياق، أيّة جدوى يمكن أن نلمسها من هذه المؤسسة العربية ومن قممها؟ (الصورة : القمة العربية الثلاثون بتونس).

العقيد محسن بن عيسى

الجغرافيا السائبة

نشأت الجامعة العربية في 22 مارس 1945 أي قبل منظمة الأمم المتحدة بشهر، وهي فكرة بريطانية غير بريئة تعود بدايتها الى الحرب العالمية الثانية، وصاحبت مرحلة تأسيسها عديد السلبيات.

من المحقق أنّ الفكرة في بدايتها جاءت بصيغة لا تتوافق كليا مع أماني الشعوب العربية، وأنّ الجامعة وقممها كانت مرآة عاكسة لطبيعة الأنظمة آنذاك، فكما هي الأنظمة كانت القمم العربية.

اعترفت منذ البداية الدول المؤسسة صراحة بتنوّع أنظمتها السياسية، وبالتناقضات التي يمكن أن تقوم بسبب هذا التنوع. وبرز داخل الجامعة نوع من التعايش بين مفهومين مختلفين، هما مفهوم السيادة الوطنية لكل دولة، ومفهوم الوحدة العربية بصيغة المصالحة بين هذين الاتجاهين.

غير أن أمر العرب لم يتحسّن، أخذا في الاعتبار مصلحة البعض في افشال التعاون العربي والذي يبقى الحد الأدنى في وحدة الجامعة. ماذا وراء هذا الفشل في دور الجامعة ومهمتها خاصة على مستوى التكيف مع المستجدات في الساحة العربية والدولية؟

هناك من يرى أنه ليس من مصلحتنا نقد الجامعة وقممها ووجودها أفضل من عدمه، وأنّ هناك خطوات إيجابية سجلت لبلورة التعاون والتنسيق وابرام معاهدات، غير أنّ هذه الحصيلة لا تجعلنا نتغاضى عن عجز المنظمة في معالجة القضايا المصيرية. الخلل في الواقع ليس في “مؤتمرات القمم” ولكن في عدم وجود قيادة عربية تستطيع أن تفرض الإصلاحات وتُقرّ خاصة مبدأ التداول في رئاسة الجامعة وفي مختلف مستوياتها ومراكزها، هذا فضلا على أن تكون رمزا للعمل العربي المشترك وإطاره العام.

لا أريد أن أنساق إلى فكرة أنّ المنظمة فُرض عليها أن تكون معقدة التنظيم، أو أن المال (البترو دولار) كبّل الهلال. هناك إمكانية لإقرار عمل عربي موحد وإيجاد موقف مشترك، وليس أن تقوم أي دولة بفعل ما تريد.

معالم الفشل واضحة

تتلاحق الجهود أمام تزايد الخلافات العلنية والخفية في الساحة العربية، لإنقاذ الجامعة على اعتبار أن العمل الدولي يسير في الوقت الحاضر نحو التكتل في إطار منظمات دولية قادرة على تحقيق أهداف أمنية وعسكرية واقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وثقافية.

هناك شبه إجماع على أنّ جامعة الدول هي مرآة للواقع السياسي العربي وإرادتها من إرادة الدول الأعضاء فيها، وعجزها من عجز هذه الدول. ويُعزى فشل مساعي تحديثها إلى اختلاف الدول الأعضاء على طبيعة هذا التحديث ومحتواه. هناك ضرورة لتجاوز ذلك والاستئناس بالتجارب الدولية، وفي مقدمتها النماذج التي وصلت الى مرحلة الاندماج على مراحل بفعل صيغ عملية راعت فيها ظروف الدول الأعضاء اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، أو غيرها التي شقت طريقها نحو الازدهار والتقدم استنادا للنهضة الاقتصادية.

يعد الوطن العربي رغم التشرذم الحالي من أكثر المجتمعات الدولية توحّدا، إذ تتوفر فيه عوامل التكتل والانسجام، ولا بد من تحسين أداء الجامعة ووظيفتها ومؤتمراتها بما يتناسب ورأب الصدع والنهوض بالتضامن العربي. أخشى ما أخشاه أن بعض الدول تريد أن تتحرّر منها والحال أنّ الوطن العربي أصبح مطمعا للقوى الخارجية ومحل تنافس بينها في قلب جغرافيته وعلى حساب شعوبه.

كان من المفروض أن تكون الجامعة في مستوى أفضل، وأن تكون خاصة قادرة على حماية نفسها من التدخل الأجنبي في شؤونها وتعزيز قدراتها. لقد كان التأثير الخارجي – اعترفنا أو لم نعترف – حاضرا في تسيير بعض قممها والتدخل في فرض الحضور بها أو تقليل مستوى المشاركة أيضا.

خلاصة الأمر أنّ الشعوب أصبحت واعية تماما بما يحدث وهناك ضرورة لتغيير المفهوم السائد للعمل العربي لمزيد إذكاء قدراته وتطوير مؤسساته لمواجهة التحديات القائمة. ليس من باب التجريح والتنديد، بل من جانب الحرص على تجاوز الماضي لتأمين الأمن والسلام والعيش الكريم للأجيال القادمة.

ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.

                                               

شارك رأيك

Your email address will not be published.