الرئيسية » حديث الجمعة: أما حان الوقت لحل لغز القناصة؟

حديث الجمعة: أما حان الوقت لحل لغز القناصة؟

بقلم فرحات عثمان

في ذكرى الاحتفال بالانقلاب الشعبي بتونس، أعلن رئيس الجمهورية التزامه بنشر قائمة شهداء الثورة قبل نهاية شهر مارس القادم. ولئن كان التأخير مما يؤسف له، فهو يبيّن مدى حيرة السلط في التصرف مع موضوع شائك مثل هذا.


إلا أن ما يُؤسف له أكثر هو تواصل لغز القناصة وكأن هناك رغبة جامحة للتستّر عن هذا الجانب الخفي مما حدث في آخر أيام نظام بن علي. فهل يُعقل هذا والأمر يُعدّ جانبا هاما من الموضوع، إذ يخص الفاعل الأصلي في الجريمة، أي من جرح وقتل أبناء البلاد؟

ضرورة التحقيق في دخول القنّاصة:

لم يعد اليوم مقبولا، لا أخلاقيا ولا سياسيا، ولا قانونيا طبعا، تجاهل قضية القناصة أو القول بانعدام وُجود هؤلاء وقد تعددت الشهادات في حضورهم بالأرض التونسية أياما قبل الرابع عشر من جانفي وأياما بعده. بل إن ما بدأ يثبت اليوم شيئا فشيئا هو دخول هؤلاء، أو البعض منهم، تونس منذ العاشر من ديسمبر، أي أكثر من شهر من فرار بن علي المزعوم.

ولعل الأرجح أن هناك دفعات مما لا مناص من تسميته رجال كومندوس دخلت تونس على فترات. فإضافة إلى تاريخ العاشر من ديسمبر حسب شهود عيان، ها هو الصحفي الفرنسي بيو يؤكد مشاهدته ليلة الرابع عشر من جانفي لكوكبة واضحة الصفة العسكرية، وهي نفس صفات من شاهدهم بعض المسافرون في العاشر من ديسمبر 2010 (كهول بهيئة عسكرية: سروال بني وقميص أصفر، يحملون حقائب سوداء طولها متر ونصف).

تلك معطيات تعتمد على شهادات ولا بد لها أن تتدعم بالأدلة القاطعة لتثبت؛ وهذا لا يأتي به إلا القضاء. لذا، شك العدالة التونسية لا يمكنها تجاهلها، وعلى أقل تقدير شهادة الصحفي الفرنسي والتفاصيل التي أتى بها في الغرض. فتلك مهمّة العدالة؛ ومهما قيل في القضاء التونسي ومشاكله وما يُقال عن القضاء التونسي جرّاء القوانين المخزية التي تكبّل حريته والتي يرفض الساسة إبطالها، فبلادنا لا تنعدم قضاة نزهاء.
إن المعطى الذي أتى به الصحافي الفرنسي، إضافة لما سبق أن قلنا من تكرره مرة سابقة على الأقل في العشرية الأولى من الشهر الأخير لسنة 2010، من شأنه تمكين العدالة التونسية من إماطة اللثام عن حقائق تمنع من تحقيق دولة العدل بالبلاد.

لغز القنّاصة دمية روسية:

لغر القنّاصة هو بحق اليوم كالدمية الروسية، أي هذه اللعبة في شكل دمى متداخلة بعضها في بعض، الأصغر داخل الأكبر، مما يجعل فتح واحدة يأتي بأخرى أقل حجما. هذه حال البلاد والأوضاع على ماهي من انحلال لسلطة الدولة والقانون. أليس على الساحة ذاك الحزب الذي يندد بالدستور وبالنظام ولم تتوصل الحكومة بعد لمنعه لما له من حماة؟ إنه دمية في هيئة حزب في دمية حزب آخر في دمية قوى داخلية وخارجية متعدّد المصالح والأغراض. لهذا رأيناه في يوم الرابع عشر الأخير من هذا الشهر يستعرض عضلاته بشارع الحبيب بورقيبة. فأين السلط لمنع مثل ذاك الخرق اللامسؤول للدستور بينما نرى الشرطة تتبع من يفطر في رمضان أو يمارس الحب والجنس، أي كل ما فيه الاحترام للآخر وللأخلاق الإسلامية التي هي حرية مسؤولة قبل كل شيء؟

إنه لا مجال للعدل بتونس إلا بربط المنظومة القضائية بها بمنظومة مستقلة، وهذا يقتضي المطالبة بانضمام البلاد للاتحاد الأوربي حتي تنسحب عليها معايير دولة القانون الأوربية دون أن يتصدى لها من همه مصلحته الأيديولوجية ومصلحة من لا يريد النجاح للديمقراطية بالبلاد. طبعا، هذا الموضوع حساس وهناك، دون أدنى شك، مصالح ترفضه؛ تماما مثل تلك التي هي وراء التعتيم في قضية القناصة، إذ الصحفي الفرنسي وجّه إصبع الإتهام لبلد شقيق. إلا أن النزاهة والأخلاق، علاوة على القانون والدين، يحتمان الجرأة في التعهد جديا بهذا الموضوع لأجل قول كلمة الحق المبين، خاصة وأن لا أحد اليوم بتونس وخارجه يشك في تعدد المآرب التي أدت إلى سقوط نظام بن علي هذه الثورة المزعومة التي ليست هي، في أفضل الحالات إلا انقلابا شعبيا، أي تغيير نظام باسم الشعب واعتمادا على رغبته الجامحة في ذلك.

والحقيقة أن نظام بن علي لا يزال قائما من خلال قوانينيه المخزية، ما يرجّح كفة من يتكلم في أن الانقلاب لم يكن شعبيا، بل انقلاب مجموعة سياسية ،وأيديلوجية على رأس النظام السابق فحسب، لا على نظامه. فنحن نرى اليوم كيف أن وطأة المنظومة القانونية للنظام البائد أصبحت أشد على الشعب؛ وها هي تأجج خيبة أمله في الحصول على الحقوق والحريات التي سعى إليها بالاحتجاجات التي وقع استغلالها لإسقاط النظام السابق لا لأجل الشعب بل لمن حل محله في الانتفاع من منظومة الديكتاتورية.

هذا، ولا شك أن فك طلاسم لغز القناصة، إضافة لإعادة حقهم لجرحى وشهداء الثورة، من شأنه فتح بعض الآفاق بخصوص إرسال الشباب التونسي إلى بؤر الإرهاب؛ لذا، لعله من واجب اللجنة المتقصية لهذه الحقائق بمجلس نواب الشعب التعهد أيضا بهذه الدمية الروسية لإخراج كل ما فيها من حقائق خفية لا بد من كشفها حتى تتمكن تونس حقا من الارتقاء لمستوى دولة القانون.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.